للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتَرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، بحد لا يتجاوزه ولا يقصر عنه؛ لعلمه بتفاوت أحوال خلقه في ذلك، ونظير تركه تحديد نفقات النساء بحد إذ قال: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، إذ كان ما يكفيهن من ذلك مختلفة أمورهن فيه، وأشباه ذلك من الأمور التي يمل إحصاؤها، ويتعب تعدادها».

• وأما قوله فيمن تجوز له المسألة؛ فإنه يقول (١/ ٦١): «والصواب من القول في ذلك عندنا: أن المسألة مكروهة لكل أحد إلا المضطر يخاف على نفسه التلف بتركها، فإن من كان قد بلغ حد الخوف على نفسه من الجوع، ولا سبيل له إلى ما يقيم به رمقه، ويرد عن نفسه الضرورة الحالة به إلا بالمسألة، فإن عليه المسألة فرضاً واجباً؛ لأنه لا يحل له إتلاف نفسه، وهو يجد السبيل إلى إحيائها بما أباح الله له بها إحياءها به، والمسألة مباحة لمن كان ذا فاقة وفقر، وإن كرهناها له، وقد وجد عنها مندوحة بما يقيم به رمقه من عيش وإن ضاق، … »؛ إلى أن قال: «والمسألة تكره جميعها لمن وجد عنها مندوحة، ولا نحرمها فنلزم السائل المأثم بها، إلا سائلاً سأل عن غنى مكثراً بها ماله، فأما في غرم لحقه فلم يكن في ماله وفاء به، أو في حمالة تحملها لم يكن في ماله لها سعة، أو في فاقة نزلت به وحاجة لا يقدر على سدها إلا بالمسألة؛ فإن المسألة له جائزة حلال، وإن اخترنا له الاستعفاف والتجمل والصبر والفزع إلى ربه ﷿ في كشف النازل به من ذلك، فإنه الجواد الذي لا يخاف بسعة الإفضال الفقر، ولا تنقص خزائنه كثرة البذل. وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله، وذلك الخبر الذي ذكرنا عن قبيصة بن المخارق وغيره، وبه قالت جماعة العلماء من السلف والخلف».

وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٥/ ١٨٠): «فالعبد لا بد له من رزق، محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبداً الله، فقيراً إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبداً لذلك المخلوق، فقيراً إليه.

ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنما أبيحت للضرورة، وفي النهي عنها أحاديث كثيرة في الصحاح، والسنن، والمسانيد»، ثم ذكر طرفاً من أحاديث الباب، ثم قال: «وأوصى خواص أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئاً»، ثم ذكر شيئاً من أحاديث النهي عن المسألة، ثم قال: «وقد دلت النصوص على الأمر بمسألة الخالق، والنهي عن مسألة المخلوق، في غير موضع»، إلى آخر ما قال، في بحث نفيس [وهو في مجموع. الفتاوى (١٠/ ١٨٢)]

وذكر في موضع آخر حال أهل الصفة وفقراءهم واستحقاقهم الصدقة والفيء، ثم قال: وأما المسألة: فكانوا فيها كما أدبهم النبي ل حيث حرمها على المستغني عنها، وأباح منها أن يسأل الرجل حقه، مثل: أن يسأل ذا السلطان أن يعطيه حقه من مال الله، أو يسأل إذا كان لا بد سائلاً الصالحين الموسرين؛ إذا احتاج إلى ذلك، ونهى خواص

<<  <  ج: ص:  >  >>