المتكامل في المسكنة، الذي ليس بعد درجته في المسكنة درجة» [وانظر أيضاً: شرح المعاني (١/ ٣٩٤) و (٢/١٤ و ٦٣)].
وقال البيهقي في الخلافيات (٥/ ٣١٦): «دليلنا: قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ الآية [التوبة: ٦٠]، فقدم ذكر الفقراء على المساكين، ومن عادة العرب أنها إذا ذكرت صنفين قد اجتمعا في صفة؛ بدأت بأهمهما أمراً، وأشدهما حالاً.
ووجه الدليل منه أن من حصر عن الضرب في الأرض لفقره، أشد حالاً ممن لم تحبسه المسكنة عن الضرب في البحر، وله أيضاً ملك السفينة، ثم احتج بحديث الباب، ثم قال:
«والمراد بالحديث، والله أعلم: «ليس المسكين بهذا الطواف»؛ يعني: ليس هو بهذا الفقير الذي لا شيء له، ولا يجد بداً من السؤال حتى يحصل له اللقمة أو لقمتان، إنما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه؛ يعني تمام ما يكفيه، وله مقدار ما يتعفف به عن السؤال، فيكف به، ولا يسأل، ولا يفطن له فيتصدق عليه بما يكفيه، وأما من يتعفف وليس له بعض الكفاية كان قاتل نفسه، فلا يستحق هذا الثناء، بل هو ملومٌ، فدل أن المراد منه ما ذكرنا»، … إلى أن قال:«ومن يتعفف وليس له بعض الكفاية كان قاتل نفسه كما ذكرنا قبل، دل أن المسكين هو الذي له بعض الغنى، ولا يكون له تمام ما يغنيه، والفقير: من لا مال له، ولا حرفة تقع منه موقعاً، والله أعلم» [وانظر أيضاً: السنن الكبرى (٧/١١)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ١٧٤)، وفي الاستذكار (٣/ ٣٠٥): «معناه: ليس السائل بأشد الناس مسكنة، لأن المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له، أشد مسكنة منه» [وانظر أيضاً: الاستذكار (٨/ ٣٤٤)، التمهيد (٤/ ٣٠٢) و (١٨/٤٩)].
* * *
١٦٣٣ - قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي ﷺ في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جَلْدَينِ، فقال:«إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب».