إلى بلد، فاستحب أكثرهم أن لا تنقلها، هذا مذهب: طاووس، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، وسعيد بن جبير، وبه قال: مالك، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
فإن أخرجها وفرقها في غير بلده فهو جائز في قول: الليث بن سعد، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز: أنه رد زكاة أتي بها من خراسان إلى الشام، فردها إلى خراسان.
وروينا عن الحسن، والنخعي؛ أنهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قرابة، وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة».
وقال في الإقناع (١/ ١٨٩): «وأكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد، ويجزئه إن فعل». وانظر أيضاً: مختصر اختلاف العلماء (١/ ٤٨٥)، النوادر والزيادات (٢/ ٢٩٠)، المعونة للقاضي عبد الوهاب المالكي (٤٤٤)، مختصر القدوري (٦٠)، الجامع لمسائل المدونة (٤/ ١٤١)، المغني (٢/ ٥٠١).
وبهذه النقول يتبين وجه الجمع بين أحاديث الباب:
أن الأصل في هذه المسألة: حديث ابن عباس في قصة معاذ حين بعثه النبي ﷺ إلى اليمن، يدعوهم إلى الإسلام والصلاة، والشاهد منه قوله:«فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم»، وكذلك حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة، حين قال: فأنشدك الله، الله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله ﷺ:«اللَّهُمَّ نعم».
وعليه: فإن أهل كل بلد من البلدان أو ماء من المياه، أحق بصدقتهم، ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها.
فما فضل عن حاجتهم بعد استغنائهم عنها؛ نقل إلى أقرب البلدان إليهم، ولا تنقل الصدقة من موضع حتى لا يبقى فيه أحد يستحق منها شيئاً.
فإذا خرجت الزكاة إلى بلد آخر جاز.
وهذا في الأموال التي يتولى الإمام قبضها وتفريقها على أهلها، من زكاة سائمة الأنعام، والزروع والثمار؛ وأما زكاة الذهب والفضة وعروض التجارة فلا بأس على الرجل أن يقسم زكاة ماله بنفسه، فيقسمها بين أهل بلده، ولا بأس أن يبعث بها من بلد إلى بلد، لذي قرابة أو صديق أو جهد يصيب ذلك البلد، والله الموفق للصواب.