الفطر وحكمها وحكم من أخرجها بعد الصلاة، وقد أعرض عنه البخاري عمداً، فلم يخرجه موصولاً ولا معلقاً، وقد بوب في صحيحه:«باب الصدقة قبل العيد»، فأخرج فيه حديث ابن عمر (١٥٠٩) [الآتي ذكره بعد هذا (١٦١٠)]، وحديث أبي سعيد (١٥١٠)، وأعرض عن حديث ابن عباس هذا مع احتياجه له في باب من أخرج الصدقة بعد الصلاة؛ إذ ليس في بابه غيره، كما أعرض عنه مسلم أيضاً، فإنه قد أخرج حديث ابن عمر [الآتي ذكره بعد هذا (١٦١٠)] من وجهين (٩٨٦)، ولم يخرج حديث ابن عباس هذا، مع العلم بأنه قد أعرض عن الاحتجاج بعكرمة، إنما أخرج له مقروناً بغيره، كذلك فإن هذا الحديث لم يخرجه أحمد في مسنده، ولا أحد ممن صنف في الصحيح سوى الحاكم، وهو معروف بتساهله، ولم يصرح الدارقطني بحسن إسناده، أو بثقة رجاله، وإنما اكتفى بنفي الجرح عنهم، ومجموع ذلك يجعل النفس لا تطمئن لثبوت هذا الخبر الغريب، حيث لم يروه عن عكرمة أحد سوى سيار، ثم تفرد به عن سيار: أبو يزيد الخولاني المصري، ثم يتفرد به عنه: مروان بن محمد الطاطري الدمشقي، ثم اشتهر بعد ذلك عن مروان؛ فأين كان الناس عنه عندما كان مع عكرمة؟ ثم أين الناس عنه عندما كان مع سيار في أهل مصر؟ ثم لا يرويه عنه أحد من أهل مصر! فلو كان الحديث عند سيار، فلماذا لم يحمله عنه الليث بن سعد، ولا حيوة بن شريح، ولا ابن لهيعة، ممن يروي عن سيار من المصريين؟ ولو كان الحديث عند أبي يزيد الخولاني هذا، فلماذا لم يروه عنه من أهل مصر أحد ثقاتها المشهورين كابن وهب؛ الذي زعم الطاطري أنه يروي عن أبي يزيد الخولاني؟ فلماذا أعرضوا عن هذا الحديث الذي تطير به الركبان؟!
وتفرد من ليس بالمشهور في مثل هذه الطبقات يضر، ولا يحتمل، والله أعلم.
فهو حديث غريب.
ويمكن تلخيص غرابته: في إعراض ثقات أصحاب كل راو من هؤلاء عن هذا الحديث، حتى لا يرويه سوى أبي يزيد الخولاني، وليس بالمشهور، ثم إعراض أصحاب الصحيح عنه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• ومما يشعر أيضاً بعدم ثبوته، وروده بإسناد رجاله مشاهير، بغير هذا السياق:
فقد روى جعفر بن عون [ثقة]، وعبد الرحيم بن سليمان [ثقة حافظ]:
عن الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: من السُّنَّة أن لا يخرج حتى يَطْعَمَ، ويخرج صدقة الفطر.
أخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ٣٩٥/ ١٠٣٢٤)(٦/ ٢٨٢/ ١٠٦١٣ - ط الشثري)، والدارقطني (٣/ ٩٠/ ٢١٣٦). [المسند المصنف (١٢/٤٦/٥٧٠٤)].
قلت: حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، وقد سمع عطاء بن أبي رباح، وكان راوية له، لكن يبدو أنه وهم في رفعه بقوله: من السُّنَّة.