قلت: وهو وهم، حيث قصر به، والصحيح، رفعه، هكذا رواه مرفوعاً بشقيه من حديث حماد بن سلمة: عبد الأعلى بن حماد النرسي، وسهل بن بكار، وعبيد الله بن محمد التيمي العيشي [وهم ثقات].
وهكذا رواه بشقه الثاني موضع الشاهد مرفوعاً بقية أصحاب ابن إسحاق: إبراهيم بن سعد، وأحمد بن خالد الوهبي، ومحمد بن سلمة الحراني.
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، واحتج به أبو داود، وقال ابن كثير في تفسيره (٣/ ٣٤٨): «وهذا إسناد جيد قوي»، وقال العيني في نخب الأفكار (١١/ ٥٠٣): «إسناده صحيح، ورجاله ثقات».
قلت: هذا الإسناد رجاله ثقات، ولم أقف لواسع بن حبان على سماع له من جابر، وإن كان قد سمع ممن هو أقدم منه موتاً، مثل: عبد الله بن زيد بن عاصم، فلا يستبعد سماعه منه، لا سيما وهما مدنيان، وقد مات جابر بالمدينة، والأشبه عندي حمل عنعنته على الاتصال، حيث لم يعرف واسع بالإرسال، وقد قيل: له صحبة. [انظر: التاريخ الكبير (٨/ ١٩٠)، الجرح والتعديل (٩/٤٨)، المؤتلف للدارقطني (١/ ٤٢٦)، الأنساب (٢/ ١٦١)، تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ١٤٢)].
فهو حديث حسن، والله أعلم.
• ومن فقه الباب: في عدم جواز إخراج رذالة المال مع وجود غيره:
قال مالك:«وإنما مثل ذلك، الغنم، تعد على صاحبها بسخالها، والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة، وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها، من ذلك البردي وما أشبهه، لا يؤخذ من أدناه، كما لا يؤخذ من خياره. وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال» [الموطأ (٧٢٥)].
وقال الشافعي في الأم (٣/ ٧٩): «وهذا مثل الغنم إذا اختلفت، يترك منها ما فوق الثنية والجذعة لرب المال، ويترك عليه ما دونها، وتؤخذ الجذعة والثنية؛ لأنهما وسط، وذلك أن الأغلب من الغنم أنها تكون أسناناً، كما الأغلب من التمر أن يكون ألواناً، فإن كان لرجل تمر واحد بردي كله أخذ من البردي، وإن كان جعروراً كله أخذ من الجعرور، وكذلك إن كانت له غنم صغار كلها أخذها منها. وإن كان له نخل بردي صنفين، صنف بردي، وصنف لون، أخذ من كل واحد من الصنفين بقدر ما فيه، وإنما يؤخذ الوسط إذا اختلف التمر وكثر اختلافه، وهو يخالف الماشية في هذا الموضع، وكذلك إن كان أصنافاً أحصى كل صنف منها حتى لا يشك فيه، وعرض رب المال أن يعطي كل صنف ما يلزمه أخذ منه».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٨٧)(٤/ ٧٩ - ط الفرقان): «هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه؛ أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة [يعني: الجعرور ولون الحبيق، وما كان في معناهما من رديء التمر]؛ إذا كان معهما غيرهما، فإن لم يكن معهما غيرهما أخذ منهما، وكذلك الرديء كله؛ لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره، لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره».