ثمر النخيل والأعناب يؤكل رُطباً وعنباً، فيُخرَص على أهله للتوسعة على الناس، ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق، فيخرص ذلك عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا، ثم يؤدون منه الزكاة على ما خُرص عليهم».
وقال أيضاً في الموطأ (٧٢٨): «الأمر المجتمع عليه عندنا: أن النخيل تخرص على أهلها، وثمرها في رؤوسها، إذا طاب وحل بيعه، ويؤخذ منه صدقته تمراً عند الجداد.
فإن أصابت الثمرة جائحة، بعد أن تخرص على أهلها، أو قبل أن تجد، فأحاطت الجائحة بالثمر كله، فليس عليهم صدقة، فإن بقي من الثمر شيء، يبلغ خمسة أوسق فصاعداً بصاع النبي ﷺ، أخذ منهم زكاته، وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة. وكذلك العمل في الكرم أيضاً».
وقال الخطابي في المعالم (٢/٤٥): «إنما يخرص من الثمر ما يحيط به البصر بارزاً، لا يحول دونه حائل، ولا يخفى موضعه في خلال ورق الشجر، والعنب في هذا المعنى كثمر النخل.
فأما سائر الثمار فإنها لا يجري فيها الخرص؛ لأن هذا المعنى فيها معدوم.
وفائدة الخرص ومعناه: أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر، فلو منع أرباب المال من حقوقهم ومن الانتفاع بها إلى أن تبلغ الثمرة غاية جفافها؛ لأضر ذلك بهم، ولو انبسطت أيديهم فيها لأخل ذلك بحصة الفقراء منها؛ إذ ليس مع كل أحد من التقية ما تقع به الوثيقة في أداء الأمانة، فوضعت الشريعة هذا العيار ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع ويحفظ على المساكين حقوقهم، وإنما يفعل ذلك عند أول وقت بدو صلاحها قبل أن يؤكل ويستهلك، ليعلم حصة الصدقة منها، فيخرج بعد الجفاف بقدرها تمراً وزبيباً».
وقال القاضي عبد الوهاب في الإشراف (١/ ٣٩٥): «يخرص النخل والكرم ليعرف قدر الزكاة منه، خلافاً لأبي حنيفة في قوله: لا يجوز الخرص ولا يتعلق به حكم»، ثم احتج بحديث عتاب، ثم قال:«ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأن الزكاة تجب في الثمرة ببدو صلاحها، وأداؤها يتأخر إلى حال التناهي، والعادة أن أرباب الأموال يأكلون ذلك رطباً، فلو تركناهم يتصرفون فيها من غير خرص لأضر ذلك بالفقراء، وإن منعناهم أكلها والتصرف فيها أضر ذلك بهم، فكان الوجه: الخرص للضرورة، ولأن فيها مراعاة للفريقين» [وانظر: المعونة (٤٢٢)].
• ومما قاله ابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٢٠٦) رداً على تشبيه الخرص بالقمار: «ويا الله العجب! أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار، ولا يعرفون أن الخرص قمار؛ حتى بينه بعض فقهاء الكوفة؟ وهذا - والله - الباطل حقاً، والله الموفق».
• قال القاضي أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي (٣/ ٢٣٠): «ليس في الخرص حديث صحيح؛ إلا واحد، وهو المتفق عليه: خرج النبي ﷺ في غزوة تبوك، فمر