وقال ابن حزم في المحلى (٣/ ٥٧): "أما الرواية عن رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس ﵃: بانهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك النهي عن القنوت، لأنه قد صح عن جميعهم أنهم قنتوا، وممل ذلك صحيح، قنتوا وتركوا، فكلا الأمرين مباح، والقنوت ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضًا، ولكنه فضل، وأما قول والد أبي مالك الأشجعي: إنه بدعة؛ فلم يعرفه، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه، والحجة فيمن علم، لا فيمن لم يعلم".
وكلام البيهقيّ يقتضي تصحيحه، حيث لم يرده، وإنما تأوله بخفاء العلم على الصحابي، فقال: "وهذا من النوع الذي ذكرنا أن الحكم لقول من يروي ويسمع، دون من لا يشاهد ولا يعلم، وأصل قولنا وقولكم أن طارق بن أشيم الأشجعي أو غيره، وإن كان قد صحب النَّبِيّ ﷺ؛ لم يعلم سنة علمها غيره، ولم يسمع قولًا سمعه غيره، ولم يشاهد فعلًا من النَّبِيّ ﷺ شاهده غيره، فعليه وعلى جميع المسلمين قبوله، وهذا أمير المؤمنين وخليفة رسول اللّه ﷺ على أمته من بعده أبو بكر الصديق ﵁ لم يسمع من النَّبِيّ ﷺ في ميراث الجدة شيئًا، حتى أخبره المغيرة بذلك عن النَّبِيّ ﷺ، فقبله، وقضى به، فكيف طارق بن أشيم! ".
قلت حديث طارق بن أشيم: حديث صحيح؛ على شرط مسلم [صحيح مسلم (٢٣ و ٢٦٩٧)].
والأولى أن يحمل قول طارق بن أشيم ببدعية وإحداث القنوت؛ على قنوت الفجر المستدام بغير سبب، إذ هو الذي لم يداوم على فعله رسول اللّه ﷺ، ولا خلفاؤه الراشدون، وعليه يحمل نفي من نفاه من الصحابة كابن عمر، حيث لم ينفرد طارق بن أشيم بهذا النفي، فقد ثبت أيضًا عن ابن عمر نفيه.
* وقد روي نحو هذا النفي العام من طرق ضعيفة، وبعضها يصح [أخرجها ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (١/ ٦٦٠ و ٦٦١ و ٦٩١ و ٦٩٥ - مسند ابن عباس)].
* وقد صح عن ابن عمر نفيه:
فقد روى أبو مجلز، قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، قلت: ما يمنعك من القنوت؟ قال: لا أحفظه عن أحد.
وروى أبو الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أن أحدًا يفعله.
وروى عبيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، فكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إِلَّا طول القيام وقراءة القرآن.
وتقدم تخريج هذه الآثار وتوجيهها في أول الشواهد.
* وروى عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]:
عن شعبة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير عن القنوت، فقال: بدعة.
وقال مرة: ما أعلمه.