فلما كان قتل السبع غير موجب للمثل ولا للقيمة الكاملة علم أنه غير مضمون. فإن شئت حررت ذلك قياساً فقلت: لأن كل ما لم يضمن بالمثل ولا بكمال القيمة لم يكن مضموناً بالجزاء كالذئب.
وأما الجواب عن الآية فمن وجهين: أحدهما: أن اسم الصيد لا يقع على السبع؛ لأن الصيد ما أحله الله تعالى من البر، وليس السبع مما أحله الله تعالى من البر، فلم يكن من جملة الصيد. والثاني: أن الصيد ما وجب فيه المثل عندنا أو القيمة عندهم، والسبع لا يجب فيه المثل ولا القيمة الكاملة فلم تكن من الصيد، وأما قياسهم على الضبع فالمعنى فيه: أنه صيد مأكول، فليس كذلك السبع.
وأما قولهم: إن الجزاء غير مقصور على ما يؤكل لحمه كالسمع المتولد بين الضبع والذئب، فالمعنى فيه أنه متولد ما بين مأكول وغير مأكول، فغلب حكم التحريم، وليس كذلك السبع، فأما مالك فإنه فرق بين صغار ذلك وكباره، وهذا غير صحيح؛ لأن ما يحرم بالإحرام، ويضمن بالجزاء، يستوي حكم صغاره وكباره، فكذلك ما يستباح مع الإحرام، ويسقط فيه الجزاء يجب أن يستوي حكم صغاره وكباره، كالحشرات فإذا ثبت سقوط الجزاء في ذلك كله في الحرم والإحرام، فما كان منه مؤذ لم يحرم قتله، وما لم يكن مؤذياً ففي تحريم قتله وجهان: أحدهما: لا يحرم قتله لضعف حرمته. والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي قتله حرام؛ لقوله:«في كل ذات كبد حرى أجر». اهـ.
• وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ٢٦٠): «إن هذه الأنواع التي يختص بعضها بمعان من الضرر لا يوجد في غيرها؛ فأما الغراب والحدأة: فإن مضرتهما ليست بأنه يخاف أن يقتلا أحداً في الغالب؛ ولكنهما يكثران في الغالب ويغتفلان الناس، فيأخذان الأزواد واللحمان، ولا يمكن الاحتراز منهما لكثرتهما ودنوهما من الناس. والفأرة: تختص بقرض الثياب والمزاود وإفساد الطعام، ولا يمكن الاحتراز منها. والعقرب: تؤذي باللدغ، ولا يمكن الاحتراز منه، لا سيما في حال النوم والاضطجاع. والكلب العقور: يؤذي بالعقر والفرس والإجاحة مع ما فيه من القوة على ذلك، وأنه إذا عدا لم يكن يستطاع دفعه، فأبيح للمحرم دفع ذلك باغتفاله وطلب غرته؛ لأنه إذا كان متحرزاً فقصده لم يستطع في الغالب دفعه».
• وقال ابن العربي في المسالك شرح الموطأ (٤/ ٣٦٩) في شرح الحديث: «كأنه قال: لا إثم عليه في قتلهن، فإذا أبيح قتلها فلا معنى للكفارة والجزاء بقتلها؛ لأن الكفارة لا تستعمل في المباح. وأما قوله في بعض الروايات: «يقتلن في الحل والحرم»؛ فمالك والشافعي يريان التحريم يتعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها، وإنما ذكرت لينبه بما شركها في العلة، لكنهما اختلفا في العلة ما هي؟
فقال الشافعي: العلة أن لحومها لا تؤكل، وكذلك كل ما لا يؤكل لحمه من الصيد مثلها.