قوله ﵇:«ولا يخطب»، فصح أنه ﵇ أراد النكاح الذي هو العقد؛ ولا يجوز أن يخص هذا اللفظ بلا نص بين. [قلت: ومن أقوى الردود على هذه الدعوى الباطلة القصة الواردة في خبر عثمان، حيث أرسل عمر بن عبيد الله إلى أبان بن عثمان - وأبان يومئذ أمير الحاج، وهما محرمان -: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير، وأردت أن تحضر؛ فأنكر ذلك عليه أبان، وهنا قد احتج راوي الحديث وهو أبان بن عثمان بهذا الحديث على العقد؛ لا على الوطء والجماع].
وأما ترجيحهم خبر ابن عباس على خبر ميمونة بقولهم: لا يُقرن يزيد إلى ابن عباس، فنعم والله ما نقرنه إليه ولا كرامة، وهذا تمويه منهم، إنما روى يزيد عن ميمونة، وروى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس، فليسمعوا الآن إلى الحق:
نحن نقول: لا نقرن ابن عباس - صبياً من صبيان أصحاب رسول الله ﷺ إلى ميمونة المتكئة مع رسول الله ﷺ على فراش واحد في الرفيق الأعلى، القديمة الإسلام والصحبة، ولكن نقرن يزيد بن الأصم إلى أصحاب ابن عباس، ولا يُقطع بفضلهم عليه.
وأما قولهم: قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله ﷺ إذ تزوجها؛ فكلام سخيف، ويُعارضون بأن يقال لهم: قد يخفي على ابن عباس إحلال رسول الله ﷺ من إحرامه، فالمخبرة عن كونه قد أحلَّ زائدة علماً؛ فحصلنا على ما قد يخفي وقد لا يخفى.
وأما قولهم: خبر ابن عباس وارد بحكم زائد؛ فليس كذلك، بل خبر عثمان هو الوارد بالحكم الزائد على ما نبين إن شاء الله تعالى؛ فبطل كل ما شغبوا به، فبقي أن نرجح خبر عثمان، وخبر ميمونة على خبر ابن عباس رضي الله عن جميعهم.
فنقول وبالله تعالى التوفيق: خبر يزيد عن ميمونة هو الحق، وقول ابن عباس: وهم منه بلا شك، لوجوه بينة:
أولها: أنها ﵂ أعلم بنفسها من ابن عباس، لاختصاصها بتلك القصة دونه؛ هذا ما لا يشك فيه أحد.
وثانيها: أنها ﵂ كانت حينئذ امرأة كاملة، وكان ابن عباس ﵁ يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر، فبين الضبطين فرق لا يخفى.
والثالث: أنه ﵇ إنما تزوجها في عمرة القضاء، هذا ما لا يختلف فيه اثنان، ومكة يومئذ دار حرب، وإنما هادنهم ﵇ على أن يدخلها معتمراً ويبقى بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج، فأتى من المدينة محرماً بعمرة ولم يقدم شيئاً إذ دخل على الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت، ولم يختلف أحد في أنه إنما تزوجها بمكة حاضراً بها لا بالمدينة، فصح أنه بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لا في حال طوافه وسعيه؛ فارتفع الإشكال جملة، وبقي خبر ميمونة، وخبر عثمان، لا معارض لهما والحمد لله رب العالمين [قلت: قد دل خبر سليمان بن يسار على أن العقد تم بإرسال أبي رافع ورجل من الأنصار فزوجاه ميمونة قبل أن يخرج من المدينة، وهو حلال، وتقدم بيان ذلك مراراً].