قال ابن حزم في الإعراب عن الحيرة والالتباس (١/ ٣٥٢) فاضحاً طريقة الحنفية في عدم اضطراد أصولهم وقواعدهم: «وإعلانهم في جميع كتبهم بأن المرسل كالمسند، أشهر من أن يخفى على من عرف شيئاً من مذاهبهم، ففضحنا تمويههم بذلك، وأنهم لا يلتفتون إلى مسند، ولا مرسل، ولا نص قرآن، ولا قول صاحب، ولا قياس، وإنما هو تقليد أبي حنيفة فقط».
وقال أيضاً في المحلى (١/ ٢٦٠): «ومما يوجب المقت من الله تعالى: أن يجعلوا المرسل حجة، ثم لا يأخذون به، أو: أن لا يروه حجة ثم يحتجون به، فيقولون ما لا يفعلون، كبر مقتاً عند الله».
ومن المسائل التي شغب فيها الحنفية على أهل العلم، مسألة وجوب الوتر بثلاث، قال ابن نصر في كتاب الوتر (٢٩٦ - مختصره): «وزعم النعمان أن الوتر بثلاث ركعات، لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينقص منه، فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد، والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، فإن سلم في الركعتين بطل وتره، وزعم أنه ليس للمسافر أن يوتر على دابته؛ لأن الوتر عنده فريضة، وزعم أنه من نسي الوتر فذكره في صلاة الغداة بطلت صلاته، وعليه أن يخرج منها فيوتر، ثم يستأنف الصلاة، وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله ﷺ وأصحابه، وخلاف لما أجمع عليه أهل العلم، وإنما أتي من قلة معرفته بالأخبار، وقلة مجالسته للعلماء.
سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: قال ابن المبارك: كان أبو حنيفة ﵀ يتيماً في الحديث. حدثني علي بن سعيد النسوي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول لهؤلاء، أصحاب أبي حنيفة: ليس لهم بصر بشيء من الحديث، ما هو إلا الجرأة».
• قلت: وقد أخطأ البيهقي أيضاً في نقده لحديث أبي رافع، حيث قدم رواية مطر الوراق الموصولة، والقول كما قال ابن عبد البر في ترجيح المرسل، وأصاب الطحاوي في نفس الأمر، قال ابن تيمية [كما في المجموع (٢٤/ ١٥٤)] في مقارنته بين البيهقي والطحاوي: «ورآه أهل العلم [يعني: البيهقي] لا يستوفي الآثار التي لمخالفيه، كما يستوفي الآثار التي له، وأنه يحتج بآثار لو احتج بها مخالفوه لأظهر ضعفها وقدح فيها، وإنما أوقعه في هذا - مع علمه ودينه - ما أوقع أمثاله ممن يريد أن يجعل آثار النبي ﷺ موافقة لقول واحد من العلماء دون آخر، فمن سلك هذه السبيل دحضت حججه، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق، كما يفعل ذلك من يجمع الآثار ويتأولها في كثير من المواضع بتأويلات يبين فسادها، لتوافق القول الذي ينصره، كما يفعله صاحب شرح الآثار أبو جعفر، مع أنه يروي من الآثار أكثر مما يروي البيهقي، لكن البيهقي ينقي الآثار ويميز بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي».