للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال ابن خزيمة: «فخبر موسى بن عقبة: «فهي له ومثلها معها» يشبه أن يكون أراد ما قال ورقاء؛ أي: فهي له عليَّ، فأما اللفظة التي ذكرها شعيب بن أبي حمزة: «فهي عليه صدقة»؛ فيشبه أن يكون معناها: فهي له، على ما بينت في غير موضع من كتبنا أن العرب تقول: عليه؛ يعني له، وله؛ يعني عليه، كقوله جل وعلا: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدار﴾ [الرعد: ٢٥]؛ فمعنى لهم اللعنة؛ أي: عليهم اللعنة، ومحال أن يترك النبي للعباس بن عبد المطلب صدقة قد وجبت عليه في ماله، وبعده ترك صدقة أخرى إذا وجبت عليه، والعباس من صليبة بني هاشم ممن حرم عليه صدقة غيره أيضاً فكيف صدقة نفسه، والنبي قد أخبر أن الممتنع من أداء صدقته في العسر واليسر، يعذب يوم القيامة في يوم مقداره خمسين ألف سنة، بألوان عذاب قد ذكرناها في موضعها في هذا الكتاب، فكيف يكون أن يتأوَّل على النبي أن يترك لعمه صنو أبيه، صدقة قد وجبت عليه لأهل سُهمان الصدقة، أو يبيح له ترك أدائها وإيصالها إلى مستحقيها؛ هذا ما لا يتوهمه عندي عالم، والصحيح في هذه اللفظة قوله: فهي له، وقوله: فهي عليَّ ومثلها معها؛ أي: إني قد استعجلت منه صدقة عامين، فهذه الصدقة التي أمرت بقبضها من الناس هي للعباس عليَّ ومثلها معها؛ أي: صدقة ثانية، على ما روى الحجاج بن دينار - وإن كان في القلب منه -، عن الحكم، عن حجية بن عدي، عن علي بن أبي طالب أن العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك».

ومما يؤيد ما ذهب إليه ابن خزيمة رواية ابن إسحاق: «فهي عليَّ ومثلها معها، هي له».

وقال ابن حبان: «وقوله في شأن العباس: «هو عليَّ ومثلها»؛ يريد أن صدقته علي أني ضامن عنه، ومثلها معها من صدقة ثانية من العام المقبل».

وفي هذا المعنى الأخير يقول ابن بطال في شرحه على البخاري (٣/ ٤٩٩): «فالمعنى أنه أراد أن يؤديها عنه براً به، لقوله في الحديث: «أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه»».

وقال أيضاً: «وقد احتج من جعل الصدقة في حديث العباس صدقة الفريضة بهذا الحديث، فأجاز تعجيل الزكاة قبل محلها».

وقال البيهقي في السنن (٤/ ١١١ - ١١٢): «وحملوه [يعني: رواية شعيب ومن معه] على أنه كان أخر عنه الصدقة عامين من حاجة بالعباس إليها، والذي رواه ورقاء على أنه كان تسلف منه صدقة عامين، وفي ذلك دليل على جواز تعجيل الصدقة، فأما الذي رواه شعيب بن أبي حمزة: فإنه يبعد من أن يكون محفوظاً؛ لأن العباس كان رجلاً من صليبة بني هاشم تحرم عليه الصدقة، فكيف يجعل رسول الله ما عليه من صدقة عامين صدقة عليه؟ ورواه موسى بن عقبة عن أبي الزناد فقال في الحديث: «فهي له ومثلها معها»، وقد يقال له؛ بمعنى عليه، فروايته محمولة على سائر الروايات، وقد يكون المراد

<<  <  ج: ص:  >  >>