يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾: إذ قال لإبراهيمَ (١) ربُّه: أَخْلِصْ لىَ العبادةَ، واخْضَعْ لى بالطاعةِ.
وقد دلَّلنا فيما مضَى على معنى "الإسلامِ" في كلامِ العربِ، فأغْنى ذلك عن إعادتِه (٢).
وأمَّا معنى قولِه: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فإنه يعنى تعالى ذكرُه: قال إبراهيمُ مُجيبًا لربِّه: خضَعتُ بالطاعةِ، وأخلَصتُ العبادةَ لمالكِ جميعِ الخلائقِ ومُدَبِّرِها دونَ غيرِه.
فإن قال قائلٌ: قد علِمتَ أنَّ "إذ" وقْتٌ، فما الذى وُقِّتَ به، وما الذى جلبَه (٣)؟. قيل: هو صلةٌ لقولِه: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾. وتأويلُ الكلام [: ولقد اصْطَفَيناه في الدنيا حين قال ربُّه: أسلمْ. قال: أسْلَمْتُ لرب العالمين. وإنَّما معْنى الكلامِ](٤): ولقد اصْطَفَيناه في الدنيا حين قلنا له: أسْلِمْ. قال: أسلمتُ لربِّ العالمين. فأظْهَر اسمَ اللهِ تعالى ذكرُه في قولِه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ على وجهِ الخبرِ عن غائبٍ، وقد جرَى ذكرُه قبلُ على وجهِ الخبرِ عن نفسِه، كما قال خُفَافُ ابنُ نُدْبَةَ (٥):