فطَلَبَ الحَدِيثَ وسَمِعَ من مِسْعَر بن كِدَام ومَالِك بن مَسْعُود وعُمَر بن ذَرّ والأوْزاعِيّ والثَّوْرِيّ. وجَالَسَ أبا حَنِيفَة وأخَذَ عنه فَغَلَبَ عليه الرَّأيُ، وقَدِمَ بَغْدَادَ ونَزَلَها، وسُمِعَ منه الحديثُ وأُخِذَ عنه الرَّأي. وخَرَجَ إِلى الرَّقَّة، فوَلَّاهُ الرَّشِيدُ القَضَاءَ بها، ثم عَزَلَه.
ولمَّا خَرَجَ الرَّشِيدُ إِلى خُرَاسَان صَحِبَه فمَاتَ بالرَّيّ سنة تِسْعٍ وثَمانين ومائة، في السَّنَة التي تُوفِّي فيها الكِسَائِيّ، وله ثَمَان وخَمْسُون سَنَةً (١).
وكان يَنْزِلُ ببَابِ الشَّام في دَرْبِ أبي حَنِيفَة، وكان يَجْلِسُ في وَسَطِه وتُقْرَأ عليه كُتُبُه. وكان يُجاوِرُه في الدَّرْبِ الرَّوَنْدِيُّ الذي عَمِلَ "كِتَابَ الدَّوْلَة"(٢)، وكان يَجْتَمِعُ إليه الرَّوَنْدِيَّةُ أَبْنَاءُ الدَّوْلَة، وكان يَتَعَمَّد يَوْمَ مَجْلِس محمَّد أَنْ يَجِيءَ فيَجْلِسُ في المَسْجِدِ ويَقْرَأه عليهم، فإذا قَرَأَ رَجُلٌ من أَصْحَابِ محمَّد شيئًا من كُتُبِه صَاحُوا به وَسَكَّتُوه. فَتَرَكَ محمَّدٌ الجُلُوسَ في ذلك المَسْجِد وصَارَ إلى المَسْجِد المُعَلَّق الذي ببابِ دَرْبِ أَسَد ممَّا يلي سَابَاط رُومي، ورُوميّ هذا كان نَفْليًا، فكانت الكُتُبُ تُقْرَأ عليه هُنَاك.