[فالأوّل](١) الذي يدخُله الجر إنما يكُون في الشيئين المتلابسين المشتركين، فيأتي ذلك في قوله تعالى:{فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف: ٧٨]؛ لأنّ الفُرقة اشتركا فيها جميعًا، وكذلك {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}[فصلت: ٥] حالهما في الحجاب واحد.
وأمّا الثّاني الذي لا اشتراك فيه: فنحو قوله تعالى: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}[الشورى: ١٥]، فالظّرف فيه باق على أصله من النصب، ويكون له محلّ من الإعراب، فيعمل فيه استقرار مُقدّر. ويكون عريًّا عن ذلك؛ [فيعمل فيه فِعْلٌ](٢) أو معنى فِعْلٍ على القَاعِدة في سائر الظروف (٣).
ومن هذا قوله في الحديث:"كان بيني وبين رجل خصومة"؛ [لأنّه](٤) لا اشتراك بينهما في سَبب الخصُومة، وهو "المِلْك"؛ لأنّ أحدهما يده على "الملك" أو على الشيء، والآخر يخاصمه فيه ويدّعيه عليه.
قوله:"في بئر": يتعلّق بـ "خصومة"؛ لأنّه مصْدَر "خاصم"، أو اسم مصدر، وكلاهما يتعلّق به حرف الجر.
قوله:" [فاختصمنا](٥) إلى رسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-": تعدّى "اختصم" بـ "إلى"؛ لأنّه بمعنى:"ترافعا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".
قوله:"فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: شاهداك أو يمينه": "شاهداك" إمّا فاعل لفعل
(١) بالنسخ: "فالأولى". وهي مؤنثة، لا تناسب ما جاء بعدها بلفظ المذكر. (٢) بياض في (ب). (٣) انظر: تفسير القرطبي (٧/ ٤٣)، والكشاف للزمخشري (٢/ ٧٤٦)، والدر المصون (٥/ ٥٤ - ٥٦)، وشرح المفصل لابن يعيش (١/ ٤٢٢) وشرح ابن عقيل (٢/ ١٩١ - ١٩٣)، وجامع الدروس العربية (٣/ ٤٨). (٤) غير واضحة بالأصل. وبياض في (ب). (٥) بالنسخ: "فاختصما".