فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ (١) جِلْدَهُ». وهذا صَرِيحٌ في بَراءةِ المَضْمُونِ عنه؛ لقَوْلِه:«وَبَرِئَ المَيِّتُ مِنْهُمَا». ولأنَّه دَينٌ واحِدٌ، فإذا صار في ذمَّةٍ ثانِيَةٍ (٢)، بَرئَتِ الأولَى منه، كالمُحَالِ به؛ لأنَّ الدَّينَ (٣) الواحِدَ لا يَحِلُّ في مَحَلَّينِ. ولَنا، قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقةٌ بدَينهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ»(٤). وقَوْلُه في خَبَرِ أبي قَتادةَ:«الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ جِلْدَهُ». حينَ أخْبَرَه أنَّه قَضَى دَينَه. ولأنَّها وَثِيقَة، فلا تَنْقُلُ الحَقَّ، كالشَّهادَةِ. فأمّا صَلاةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على المَضْمُونِ عنه؛ فلأنَّه بالضَّمانِ صار له وَفاءٌ، وإنَّما كان، عليه الصلاةُ والسلامُ، يَمْتَنِعُ مِن الصلاةِ على مَدِين لم يُخَلِّفْ وَفاءً. وأمّا قَوْلُه لعليٍّ:«فَكَّ الله رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخيكَ». فإنَّه كان بحالٍ لا يُصَلِّي عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا ضَمِنَه فَكَّه مِن ذلك، أو ما في مَعْناه. وقَوْلُه:«بَرِيء الْمَيِّتُ مِنْهُمَا». أي صِرْتَ أنت المُطالبَ بهما. وهذا على وَجْهِ التَّأْكِيدِ؛ لثُبُوتِ الحَقِّ في ذِمَّتِه، ووُجُوبِ الأداءِ عنه؛ بدَليلِ قَوْلِه حينَ أخْبَره بالقَضاءِ:«الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ جِلْدَهُ». وفارَقَ الضَّمانُ الحَوالةَ، فإنَّ الضَّمانَ مُشْتَقٌّ مِن الضَّمِّ بينَ الذِّمَّتّين في تَعَلُّقِ الحَقِّ بهما وثُبُوتِه فيهما، والحَوالةُ من التَّحَوُّلِ،
(١) زيادة من: ر ١. وهي موافقة لما في المسند. (٢) في ر ١، ق، م: «نائبة». (٣) سقط من: الأصل، ر ١. (٤) تقدم تخريجه في ٦/ ٢١.