ورُوِىَ نَحْوُ ذلك عن الحسنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وعَطاءٍ. قال شيخُنا (١): وهذا، واللَّهُ أعْلمُ، في مَن كان حَصْرُه خاصًّا، وأمَّا الحَصرُ العامُّ، فلا يَنْبَغِى أن يَقُولَه أحَدٌ؛ لأنَّ ذلك يُفْضِى إلى تَعَذُّر الحِلِّ، لتَعَذُّر وُصُولِ الهَدْى إلى مَحِلِّه، ولأنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابَه نَحَرُوا هَدَايَاهُم في الحُدَيْبيَةِ، وهى مِن الحِلِّ. قال البخارىُّ: قال مالكٌ (٢) وغيرُه: إنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابَه حَلَقُوا وحَلُّوا مِن كلِّ شئٍ قبلَ الطَّوافِ، وقبلَ أن يَصِلَ الهَدْىُ إلى البَيْتِ. ولم يُذْكَرْ أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ أحَدًا أن يَقْضِىَ شيئًا، ولا أن يَعُودُوا له. ويُرْوَى أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحَر هَدْيَهُ عندَ الشَّجَرَةِ التى كان تَحْتَها بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ (٣). وهى مِن الحِلِّ باتِّفاقِ أهْلِ السِّيَرِ. وقد دَلَّ عليه قَوْلُه تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}(٤). ولأنَّه مَوْضِعُ حِلِّه، فكانَ مَوْضِعَ نَحْرِه، كالحَرَمِ. فإن قِيلَ: فقد قال اللَّهُ تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}(٥). وقال:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(٦). ولأنَّه ذَبْحٌ يَتَعَلَّقُ بالإِحْرامِ، فلم يَجُزْ في غيرِ الحَرَمِ، كدَمِ الطِّيبِ واللُّبْسِ. قُلْنا: الآيَة في غيرِ
(١) في: المغنى ٥/ ١٩٧. (٢) انظر الموطأ ١/ ٣٦٠. (٣) تقدم تخريجه في ٨/ ٤٤٤. (٤) سورة الفتح ٢٥. (٥) سورة البقرة ١٩٦. (٦) سورة الحج ٣٣.