في أسْفارِه يَقْصُرُ حتى يَرْجِعَ، وحينَ قَدِم مَكَّةَ كان يَقْصُرُ فيها. ولا فَرْقَ بينَ أن يَقْصِدَ الرُّجُوعَ إلى بَلَدِه، كما فَعَل النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجَّةِ الوَداعِ، على ما في حديثِ أنَسٍ، وبينَ أن يُرِيدَ بَلَدًا آخَرَ، كما فَعَل عليه السَّلامُ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، كما في حديثِ ابنِ عباسٍ.
فصل: وإن مَرَّ في طَرِيقِه على بَلَدٍ له فيه أهْلٌ أو مالٌ. فقالَ أحمدُ، في مَوْضِعٍ: يُتِمُّ. وقال في مَوْضِعٍ: لا يُتِمُّ إلَّا أن يَكُونَ مَارًّا. وهذا قَوْلُ ابنِ عباسٍ. وقال مالكٌ: يُتِمُّ إذا أراد أن يقيمَ بها يَوْمًا ولَيْلَةً. وقال الشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: يَقْصُرُ، ما لم يُجْمِعْ على إقامَةِ أرْبَعٍ؛ لأنَّه مُسافِرٌ. ولَنا، ما رُوِىَ عن عثمانَ، أنَّه صَلَّى بمِنًى أرْبَعَ رَكَعاتٍ، فأنْكَرَ النّاسُ عليه، فقال: يا أيُّها النّاسُ، إنِّى تَأَهَّلْتُ بمَكَّةَ منذُ قَدِمْتُ، وإنِّى سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ:«مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صلاةَ الْمُقِيمِ». رَواه أحمدُ في «المُسْنَدِ»(١). وقال ابنُ عباسٍ: إذا قَدِمْتَ على أهْلٍ لك أو مالٍ، فَصَلِّ صلاةَ المُقِيمِ (٢). ولأنَّه مُقِيم ببَلَدٍ له فيه أهْلٌ ومالٌ، أشْبَهَ
(١) المسند: ١/ ٦٢. (٢) أخرجه البيهقى، في: باب المسافر ينتهى إلى الموضع الذى يريد المقام به، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى ٣/ ١٥٥، ١٥٦. وعبد الرزاق، في: باب في كم يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٥٢٤، بن أبى شيبة، في باب في مسيرة كم يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٤٤٥.