وقال القُتَيْبِىُّ: يُقالُ: صُمْتُ الشَّهْرَ إلَّا يَوْمًا. ولا يُقالُ: صُمْتُ الشَّهْرَ إلا تِسْعةً وعِشْرِينَ يومًا. ويُقالُ: لَقِيتُ القَوْمَ جَمِيعَهُم إلَّا واحِدًا أو اثْنَيْنِ. ولا يجوزُ أن يُقالَ: لَقِيتُ القَوْمَ إلَّا أكْثَرَهُم. وإن لم يَكُنْ صَحِيحًا في الكَلامِ، لم يَرْتَفِعْ به ما أقَرَّ به، كاسْتِثْناءِ الكُلِّ، وكما لو قال: له عَلَىَّ عَشَرَةٌ، بل خَمْسةٌ. وأمّا ما احْتَجُّوا به مِن التَّنْزِيلِ، فإنّه في الآيةِ الأُولَى اسْتَثْنَى المُخْلَصِينَ مِن بَنِى آدَمَ، وهم الأقَلُّ، كما قال:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}(١). وفى الآيةِ الأُخْرَى اسْتَثْنَى الغاوِينَ مِن العِبَادِ وهم الأَقَلُّ، فإنَّ المَلائكَةَ مِن العِبادِ، وهم غيرُ غاوِينَ، قال اللَّهُ تعالى:{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}(٢). وقيل: الاسْتِثْناءُ في هذه الآيةِ مُنْقَطِعٌ بمعنى الاسْتِدْراكِ، فيكونُ قولُه:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}. مُبْقًى (٣) على عُمُومِه لم يُسْتَثْنَ منه شَئٌ، فيكونُ قَوْلُه:{إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}. أى لكنْ مَن اتَّبَعَكَ مِن الغَاوِينَ فإنَّهم غَوَوْا باتِّباعِكَ. وقد دَلَّ على صِحَّةِ هذا قولُه في الآيةِ الأُخْرى لأَتْباعِه:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}(٤). وعلى هذا، لا يكونُ لهم فيها حُجَّةٌ. وأمّا البَيْتُ،
(١) سورة ص ٢٤. (٢) سورة الأنبياء ٢٦. (٣) في م: «يبقى». (٤) سورة إبراهيم ٢٢.