عليها السَّلامُ:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}. إلى قولِه:{فَأَشَارَتْ إِلَيهِ}(١). وقال في زكَرِيَّا:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا}. إلى قولِه:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}(٢). ولأنَّ الكلامَ حروفٌ وأصْواتٌ، ولا يُوجَد في الإِشارَةِ، ولأنَّ الكلامَ شيءٌ مَسْمُوعٌ، وتَبْطُلُ به الصلاةُ، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَام النَّاسِ»(٣). والإِشارَةُ بخِلافِ هذا. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا}. قُلْنا: هذا اسْتِثْناءٌ من غيرِ الجنْسِ، بدِليل ما ذَكَرْنا، ولصِحَّةِ نفْيِه عنه، فيقالُ: ما كَلَّمَه وإنَّما أَشارَ إليه.
فصل: فإن ناداهُ بحيثُ يَسْمَعُ، فلم يَسْمَعْ، لتَشاغُلِه، أو غَفْلَتِه، حَنِثَ. نَصَّ عليه أحمدُ، فإنَّه سُئِلَ عن رجلٍ حَلَف أن لا يُكَلِّمَ إنْسانًا، فنَاداهُ، والمحلوفُ عليه لا يَسْمَعُ؟ قال: يَحْنَثُ. وهذا لكَوْنِ ذلك يُسَمَّى تَكْلِيمًا، يقالُ: كَلَّمْتُه فلم يَسْمَعْ.
فصل: وإن سَلَّمَ على المَحْلُوفِ عليه، حَنِثَ؛ لأنَّ السَّلامَ كلامٌ تَبْطُلُ
(١) سورة مريم ٢٦ - ٢٩. (٢) سورة مريم ١٠، ١١. (٣) تقدم تخريجه في ٣/ ٥٥٧.