للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ت: ١٣ هـ) وجماعة معه إلى أن المعنى ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على قولهم: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾، فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب إيمانهم. وروى أنس بن مالك (ت: ٩٠ هـ) أن رسول الله قرأ هذه الآية وقال: قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها فهو ممن استقام. المعنى فهو في أول درجات الاستقامة من الخلود، فهذا كقوله : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (١)، وهذا هو المعتقد إن شاء الله، وذلك أن العصاة من أمة محمد وغيرها فرقتان: فأما من قضى الله بالمغفرة له وترك تعذيبه، فلا محالة ممن تنزل عليه الملائكة بالبشارة، وهو إنما استقام على توحيده فقط، وأما من قضى الله بتعذيبه مرة ثم بإدخاله الجنة، فلا محالة أنه يلقى جميع ذلك عند موته ويعلمه، وليس يصح أن يكون حاله كحالة الكافر اليائس من رحمة الله، وإذ قد كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه وبأنه يصير آخراً إلى الخلود في الجنة، وهل العصاة المؤمنون إلا تحت الوعد بالجنة، فهم داخلون فيمن يقال لهم: ﴿أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)﴾ ومع هذا كله فلا يختلف أن الموحد المستقيم على الطاعة أتم حالاً وأكمل بشارة، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وعلى نحو ذلك قال سفيان: ﴿اسْتَقَامُوا﴾، عملوا بنحو ما قالوا، وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعداداً كان أسرع فوزاً بفضل الله تعالى" (٢).


(١) رواه أحمد (٢١٥٢٩) وأبو داود (٣١١٦) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (٦٨٧).
(٢) تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية. (سورة فصلت: الآية: ٣٠).

<<  <   >  >>