فإذا كانت الأُخُوَّةُ بالأبوَّة أو بالبنوَّة فلها جِبِلِّيَّةٌ تحميها، فإذا بَعُدَتْ بالعمومة والخُؤولة فللشريعة تأكيدٌ في صِلَتِها، قال سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: ٢٢] فقَرَنَ القطيعة بالكفر؛ وهو الفساد في الأرض، واتَّفقت عليه الملل (١)، واستدعته القرائح، وطابت به الأرواح، وتفاخرت به الأشراف، وذكره أبو سفيان لهِرَقْلَ في صفة المصطفى، فقال:"يأمرنا بالصلاة والصدقة، وكذا وكذا، وصِلَةِ الرحم"(٢).
وقال صِرْمَةُ في الجاهلية بالمدينة:
يا بَنِيَّ الأرحامَ لا تقطعوها … وصلوها قريبة من زِيَالِ
يا بنيَّ التخومَ لا تظلموها … إن ظلم التخوم ذو عُقَالِ
يا بنيَّ الأيامَ لا تأمنوها … واحذروا مَكْرَهَا ومَكْرَ (٣) اللَّيَالِي
واعلموا أن أمرها لنَفَادِ الْـ … ـخَلْقِ ما كان من جَدِيدٍ وبَالِي (٤)
(١) في (ص): المال. (٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأدب، باب صلة المرأة أمها ولها زوج، رقم: (٥٩٨٠ - طوق). (٣) في (ك) و (ص) و (ب): مر، وضبَّب عليها، والمثبت من طرته. (٤) من الخفيف، وهي لأبي قيس صرمة بن أبي أنس، أوصى بها بنيه عند الموت، وهي في التعازي والمراثي للمبرد: (ص ١٢٦)، والمعارف لابن قتيبة: (ص ٦٢).