وهاهنا نكتة؛ وهي أن الذي ذكرناه هو فيما إذا نوى بالعمل الغير، فأمَّا إذا نوى العمل عن نفسه فلمَّا كَمُلَ وهب ثوابَه للغير؛ فلم أَرَ فيه نَصًّا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه إلى الآن، ولكن حَفِظْتُ منه كثيرًا عن الزهَّاد.
لقد حجَّ بعضُهم سبعين حجة، فلمَّا كان في آخرها وظنَّ أنه لا يعود قال في الموقف:"ربِّ إن كنت قَبِلْتَها فقد تصدَّقتُ بها على المذنبين من أهل الموقف، فرأى الباري تعالى في المنام، فقال له تعالى (١): علينا تَتَسَخَّى؟ قد غفرتُ لهم ولك"(٢).
وتكلَّم الناسُ على جُودِ الفقير على الغني فقالوا:"إنَّه أفضل من جود الغني على الفقير"، وهو صحيح، لأنَّه رُوي في الأثر:"سَبَقَ درهم مائة ألف درهم"(٣)، وهو وإن لم يصحَّ سَنَدُه فإنَّ معناه صحيح.
مثالُه: فقير معه درهم تصدَّق به، وآخَرُ معه مائتا ألف درهم تصدَّق بمائة ألف، فيكون الأوَّل قد تصدَّق بجميع ماله، والثاني قد تصدَّق بنِصْفِ ماله.
(١) في (ك) و (ب): تعالى له. (٢) تقدَّم توثيقه. (٣) أخرجه النسائي في الكبرى عن أبي هريرة ﵁: كتاب الزكاة، صدقة جهد المقل، رقم: (٢٣١٨ - شعيب)، وإنما ضعَّف ابنُ العربي هذا الحديث لأنه من رواية ابن عَجلان، وفيه: "عن سعيد المَقْبُرِي عن أبي هريرة"، وتكلَّم فيه يحيى بن سعيد لأجل روايته عن المقبري، الجامع الكبير: (٦/ ٢٣٨ - بشار)، ولهذا أخرج ابن خُزَيمة روايته عن زيد بن أسلم: (٤/ ٤٨)، والله أعلم.