فإذا (١) بَلَغَتْه الحاجة أن يتعرَّض ولا يطلب، وهو من آداب الطلب، ألا ترى إلى (٢) أيوب مع الذي بلغ إليه من البكاء كيف قال: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء: ٨٢]، ولم يسال صريحًا، وإلى مُحَمَّدٍ ﷺ كيف كان يرفع بصره إلى السماء مُتَعَرِّضًا للدعاء، فقيل له: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: ١٤٣]، وانظر إلى أَدْنَى من ذلك وأقلَّ في آداب المخلوقين، واستغراقهم في صفة الكريم، وقال (٣) شاعرُهم لكريمهم:
أَأَطْلُبُ حاجتي أم قد كفاني … حيائي (٤) إن شيمتك الحياءُ (٥)
إذا أثنى عليك المرءُ يومًا … كفاه (٦) من تعرضه الثناءُ
وقد رَوَيْنَا من طُرُقٍ عديدة حِسَانٍ: عن النبي ﷺ: يقول الله: "من شَغَلَهُ ذِكْرِي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين"(٧).
(١) في (د) و (ص): إذا، وأشار إليها في (س). (٢) في (س): أن. (٣) في (د) و (ص): فقال. (٤) في (ص): حياؤك. (٥) البيتان لأمية بن أبي الصلت، يمدح بها ابن جدعان، ديوانه: (ص ٣٣٣ - ٣٣٤). (٦) في (س): كفاك. (٧) أخرجه الترمذي في جامعه من حديث أبي سعيد الخدري ﵁: أبواب فضائل القرآن، رقم: (٢٩٢٦ - بشار)، قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن غريب"، وفي نسخة ابن حسنون التي يرويها عن ابن العربي: قال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وإنما حسَّنه ابن العربي لكثرة طرقه.