الأول: أن قوله: ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)﴾ [مَرْيَم: ٨٧] نكرة في طرف الثبوت، وذلك لا يفيد إلا عهدًا واحدًا، فهذه الآية تدل على أن تلك الشفاعة تحصل بسبب عهد واحد، ثم أجمعنا على أن ما سوى الإيمان فإن الواحد منه، بل مجموعة لا يفيد تلك الشفاعة البتة، فوجب أن يكون العهد الواحد الذي يفيد تلك الشفاعة هو الايمان، وهو قول: لا إله إلا الله.
والثاني: أن جماعة من المفسرين قالوا في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٤٠]. هو عهد الإيمان، بدليل أن لفظ العهد مجمل، فلما أعقبه بقوله: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٤١]. علمنا أن المراد من ذلك العهد هو الإيمان، وهو قول " لا إله إلا الله، محمد رسول الله ".
والثالث: أن أول ما وقع من العهد قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأَعْرَاف: ١٧٢]، وذلك في الحقيقة هو قول لا إله إلا الله، فكأن لفظ العهد محمولًا عليه.
والرابع: أنه تعالى قال: ﴿* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ﴾ [التَّوْبَة: ١١١] فكأن العهد من جانبك عهد الإقرار بالعبودية، ومن جانب الحق ﷾ عهد الكرم والربوبية، فثبت بهذه الوجوه: أن المراد من قوله: ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مَرْيَم: ٨٧]. هو قول: لا إله إلا الله.