ولهذا قيل: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧)﴾ [الشَّرْح: ٧] ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)﴾ [الشَّرْح: ٨] فأمر بأن تكون الرغبة إليه وحده، وقال: ﴿عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣)﴾ [المَائِدَة: ٢٣] فالقلب لا يتوكل إلا على من يرجوه، فمن رجا قوته أو عمله أو علمه أو أو صديقه أو قرابته أو شيخه أو ملكه أو ماله غير ناظر إلى الله كان فيه نوع توكل على ذلك السبب، وما رجا أحد مخلوقا أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه فإنه مشرك: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (٣١)﴾ [الحَج: ٣١]" (١).
- قال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ)﵀: "وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، وتوابع ذلك من التوكل والإنابة، والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، وكل ما يحب غيره فإنما يحب تبعا لمحبته، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته، ولا يخاف سواه، ولا يرجي سواه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا بإسمه، ولا ينذر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه، ويجتمع ذلك في حرف واحد، وهو: أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله؛ ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله