قُلْتُ: فمعنى: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣]، أي: لم يبقَ عليه إثم، بل غفرت ذنوبه كلها إذا لم يفسق في حجه، ولم يرفث، وحج حجًا مبرورًا إذا اتقى في حجه، ومن تقواه فيه أن يقرنه بتوبة، وتحلل من المظالم، فيرجع من حجه كيوم ولدته أمه كما في الحديث المذكور، سواء أخذ بالرخصة فتعجل في يومين، أو أخذ بالأفضل الذي فعله رسول الله ﷺ فتأخر، فالكل مغفور له.
ويليه القول الآخر: أنَّه لا إثم على المتأخر في تركه الأخذ بالرخصة؛ ولكن في هذا القول، وسائر تلك الأقوال غير ما رجحه ابن جرير، نظر؛ لأن النبي ﷺ تأخر ولم يأخذ بهذه الرخصة، فلو قلنا: إنَّ تارك الرخصة هنا، تارك للأفضل، دخل رسول الله ﷺ تحت هذا الحكم، وحاشاه أن يترك الأفضل، لا سيما والمتأخر يظفر بمزيد من عبادة الصلوات بمنى، والرمى، والمبيت، وفي الحديث:«أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ»، وقال الله تعالى: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥]، وقال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأحقاف: ١٩]، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ [مريم: ٦٥].