للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال الجصاص في «أحكام القرآن» (١/ ٣١٣): فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩١]، منسوخ بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ، لَا يُقَاتَلُ فِي الْحَرَمِ إلَّا مَنْ قَاتَلَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فِيهَا، فَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ نَبْتَدِئَ فِيهَا بِالْقِتَالِ لِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ. اهـ.

وقال ابن القيم في «زاد المعاد» (٣/ ٥٤٥): الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةَ بِهَا مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ، كَمَا امْتَنَعَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مُبَايَعَةِ يزيد، وَبَايَعُوا ابن الزبير، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ وَنَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمَا، وَإِحْلَالُ حَرَمِ اللَّهِ جَائِزًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْفَاسِقُ وَشِيعَتُهُ، وَعَارَضَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَوْ لَمْ يُعِذْهُ مِنْ سَفْكِ دَمِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى

<<  <   >  >>