وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ [العنكبوت: ٦٧]؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَلَمْ يُمَكِّنْ أَصْحَابَهُ مِنْ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ قِبْلَةً فَكَيْفَ يُسَلِّطُ عَلَيْهَا الْحَبَشَةَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ قِبْلَةً لِلْمُسْلِمِينَ؟
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ حَيْثُ لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: (اللَّهُ اللَّهُ) كَمَا ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ».
وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ: «لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا»، وَقَدْ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ، وَغَزْوِ أَهْلِ الشَّامِ لَهُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَعْظَمِهَا وَقْعَةُ الْقَرَامِطَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَطَافِ مَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَقَلَعُوا الْحَجَر الْأَسْوَدَ فَحَوَّلُوهُ إِلَى بِلَادِهِمْ ثُمَّ أَعَادُوهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، ثُمَّ غزى مرَارًا بعد ذَلِك، وكل ذَلِك لَا يُعَارض قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ [العنكبوت: ٦٧]؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: «وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ»، فَوَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فِيهَا، وَالله أعلم. اهـ.
قُلْتُ: معناه: أنَّ الله أمر شرعًا أنَّ تكون بلدًا آمنًا، وأنَّ اقتراف المخوفات
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute