كان (١) جر - كما تقدم - إيذانا بافتقار الثاني إلى الأول؛ فإن حروف الجر مقيدة (٢)، ومن تكرر حرف الجر قوله تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}(٣)، ولم يذكر ولد في المرة الثانية؛ إذ لو ظهر فقيل: ولد الرجل من كسبه، ولد الرجل من أطيب كسبه لانقطع (٤) الثاني عن الأول بالكلية؛ لأن الثاني مع ذكر الولد يصير قائمًا بنفسه.
فإن قيل: ألا تراه ظهر في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣)} (٥)، قيل: يجوز أن يكون هذا من إبدال الجملة من الجملة لا مما نحن فيه (٦).
ومن فوائد البدل التبيين] (٧) على وجه المدح؛ فإن قولك: ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه، أبلغ من قولك: ولد الرجل من كسبه، وكذا قولك: هل أدلك على أكرم (٨) الناس وأفضلهم؟ فلان، أبلغ من قولك على فلان: الأكرم والأفضل؛ لذكره مرتين مفصلًا
(١) لعل المناسب هنا ذكر كلمة (حرف) كما في "البرهان في علوم القرآن". (٢) هكذا في (ر)، (ل)، وفي "البرهان": (مفتقرة). (٣) الأعراف: ٧٥. (٤) في (ر)، (ل): (لا ينقطع). والمثبت هو الملائم للسياق. (٥) الشعراء: ١٣٢ - ١٣٣. (٦) انظر: "البرهان في علوم القرآن" ٢/ ٤٥٩ - ٤٦٠. (٧) في (ر)، (ل): التعين. والمثبت من "البرهان". (٨) في (ر): ألزم.