كثر منهم العصيان والفساد (تَقَذَّرهم) بفتح التاء والقاف والذال المشددة، أي: تتقذرهم ثم حذفت التاء الأولى ويجوز: (تَقْذَرهم) بسكون القاف وفتح الذال: أي: تكرههم، وفي "شرح الخطابي"(١): تأويله أن الله يكره خروجهم إليها، ومقامهم بها، فلا يوفقهم، فصاروا بالصد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره (٢) نفس الإنسان.
(نفس الله) أي: يكره الله خروجهم إلى الشام، ومقامهم بها؛ فلا يوفقهم إلى المهاجرة إليها، بل إلى غيرها، فصاروا بترك الخروج إليها في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان، أي: ذاته، فلا تقبله، والنفس هنا ذات الله تعالى، كما قال تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}(٣) كما تقول: قتل فلان نفسه، أي: ذاته كلها، ويحتمل أن تكون النفس هنا أهل شريعة الله القائمين على الحق الذين لا يضرهم من ناوأهم، كما قال تعالى:{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}(٤) أي: بأهل شريعتهم، ولما كره الله خروجهم إلى الشام أزال رغبتهم عنها (٥) فارتحلوا إلى غيرها، فكأن الأرض لفظتهم عنها بفعل الله، وفي الكلام مجاز واتساع نظيره قوله تعالى:{كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}(٦) أي: عن الخروج إلى الغزو، ووجهه أن الله لما كره
(١) "معالم السنن" للخطابي ٢/ ٢٣٥. (٢) في الأصلين: تقذرهم، والمثبت أليق بالسياق. (٣) آل عمران: ٢٨، ٣٥. (٤) النور: ١٢. (٥) في (ر): فيها، والمثبت من (ل). (٦) التوبة: ٤٦.