ولما فهمت الصحابة من أمره بالفطر أنه عزيمة أي جزم ولا بد منه وأنه واجب، قال القرطبي: فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا، قال: ولو قدر هناك صائم لاستحق أن يقال: أولئك العصاة (٢).
وفيه رد لما يقتضيه كلام الغزالي والآمدي من أن العزيمة تختص بالواجبات، فإنما قالا: ما لزم العباد بإلزام الله تعالى. أي: بإيجابه (٣). وليس كما قالا فإنها تذكر في مقابلة الرخصة كما ذكرت هنا، فإن في رواية مسلم: نزلنا منزلًا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم"، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر فقال:"إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا"، فكانت عزمة فأفطرنا (٤).
(قال أبو سعيد) الخدري (ثم لقد رأيتني أصوم (٥) مع رسول الله قبل ذلك وبعد ذلك) رواية مسلم: لقد رأيتنا بعد ذلك نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر (٦). ففيه دليل على أن الصوم هو الأصل والأفضل، وأن الفطر إنما كان لعلة وسبب، ولما زال ذلك رجع إلى الأفضل.
(١) "المجموع" ٣/ ٩: قال: لأنها مكلفة بترك الصلاة. (٢) "المفهم" ٣/ ١٨٣. (٣) "المستصفى" ص ٧٨، و"الإحكام" ١/ ١٣١. (٤) "صحيح مسلم" (١١٢٠). (٥) في النسخ: نصوم، والمثبت من "السنن". (٦) "صحيح مسلم" (١١٢٠).