ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين، حتى كان ينجفل، فدعمته، فرفع رأسه فقال:"من هذا؟ " قلت: أبو قتادة. قال:"متى كان مسيرك مني؟ " قلت: ما زال مسيري منك. قال:"حفظك اللَّه بما حفظت به نبيه"(١)(٢).
(فقال: حفظك) بكسر الفاء، هو ماض بمعنى الأمر، أي: اللهم احفظه، كما في الحديث قبله ضده، وهو أمر بمعنى الماضي في قوله:"فليتبوأ مقعده من النار" أي: تبوأ له مقعدًا في النار؛ ولهذا جاء الماضي بعده متصلًا بتاء الخطاب في قوله:"بما حفظت به نبيه" -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي بعض النسخ:"نبيك" أيضًا بكاف الخطاب، ولعل المراد بقوله: بما حفظ به نبيه في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، ويحتمل أن يراد به قوله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} على قول من قال: المراد بها نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وفيه دليل على استحباب الدعاء لمن صنع إليه معروفًا، ويدل عليه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له" كما تقدم (٣).
* * *
(١) في (م): نبيك. (٢) "صحيح مسلم" (٦٨١/ ٣١١). (٣) سبق برقم (١٦٧٢).