قوله تعالى:{وَنَادَوْا يَامَالِكُ} يدعون خازن النار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}؛ أي: لِيُمِتْنا رَبُّكَ، فنَسْتَرِيحَ مِنْ شِدّةِ العذاب، فيُجِيبُهم مالكٌ بعد ألْفِ سنةٍ {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧)} مقيمون فِي العذاب، قرأَ العامة:"يا مالِكُ" بإثبات الكاف، وقرأ عَلِيُّ بنُ أبِي طالب رضي اللَّه عنه والأعمش:"يا مالِ"(١) بحذف الكاف على الترخيم، ورَوَى أبو الدرداء ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال أبو الفتح عثمان بن جني (٢): هذا من أحق الأشياء بالترخيم؛ لأنه موضع قد ذَهَبَتْ فيه قُواهُمْ، وَلَمْ تنفع فيه شكواهم، فَضَعُفُوا عن تَتْمِيمِ نِداءِ مالكٍ خازِنِ النار (٣).
[فصل]
عن أبِي الدَّرْداءِ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُلْقَى على أهل النار الجُوعُ، حتى يَعْدِلَ ما هم فيه من العذاب"، قال:"فيقولون: ادْعُوا مالكًا، فَيَدْعُونَ مالِكًا:{يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، قال: "فيجيبهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}(٤)، قال الأعمش: أُنْبِئْتُ أن بين دعائهم وبين إجابته إيّاهُمْ ألْفَ عام، ومثل هذا رُوِيَ عن ابن عباس.
(١) وهي أيضًا قراءة ابن مسعود وابن وثاب، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٣٦ - ١٣٧، المحتسب ٢/ ٢٥٧، تفسير القرطبي ١٦/ ١١٦، البحر المحيط ٨/ ٢٧. (٢) إمام مشهور في النحو واللغة والأدب، وله شعر، ولد بالموصل وتوفي ببغداد سنة (٣٩٢ هـ)، كان أبوه مملوكًا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، من كتبه: الخصائص، المحتسب، سر صناعة الإعراب. [إنباه الرواة ٢/ ٣٣٣ - ٣٤٠، بغية الوعاة ٢/ ١٣٢، الأعلام ٤/ ٢٠٤]. (٣) هذا معنى كلام ابن جني في المحتسب ٢/ ٢٥٧، واللفظ هنا مختلف كثيرًا عما ورد في المحتسب، وأما اللفظ الذي أورده المؤلف هنا فقد نقله عن طاهر بن أحمد عن ابن جني في شرح جمل الزجاجي ١/ ٢٨١. (٤) هذا جزء من حديث طويل رواه الترمذي في سننه ٤/ ١٠٨، ١٠٩ أبواب صفة جهنم: باب ما جاء في صفة طعام أهل النار، وينظر: جامع البيان ١٨/ ٧٧، الكشف والبيان ٨/ ٣٤٥، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٢٢.