عن ابن عباس وَأبِي هريرة -رضي اللَّه عنهما- قالا: لَمّا نزلت هذه السورة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُ أكْبَرُ، جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ، وَجاءَ أهْلُ اليَمَنِ قَوْمٌ رَقِيقةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنةٌ طِباعُهُمْ، الإيمانُ يَمانٍ، والفِقْهُ يَمانٍ، والحِكْمةُ يَمانِيّةٌ"(١).
قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} يعني: تَوّابًا لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، والفاء في قوله:{فَسَبِّحْ} جواب {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}، و {تَوَّابًا} خَبَرُ {كَانَ}، والباء هاهنا للالتباس والمخالطة كقوله تعالَى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}(٢)؛ أي: مُخْتَلِطةً وَمُلْتَبِسةً به، ومعناه: اجْعَلْ تَسْبِيحَ اللَّهِ مُخْتَلِطًا وَمُلْتَبِسًا بِحَمْدِهِ، وقيل: الباء للتعدية كما يُقال: اذْهَبْ بِهِ؛ أي: خُذْهُ مَعَكَ في الذَّهابِ، كأنه قال: سَبِّحْ رَبَّكَ مَعَ حَمْدِكَ إيّاهُ، ذكره ابن الأثير (٣).
و {كَانَ} هاهنا صلة (٤)؛ لأن معناه: إنَّهُ تَوّابٌ، ومثله: {إِنَّهُ كَانَ
= المقتضب ٢/ ١٩٦، الأصول ٢/ ٤٣٧، شرح شافية ابن الحاجب للرضي ٢/ ٩٠، ٩٥، شرح الشافية للجاربردي ٢/ ٨٤، التصريح للشيخ خالد ٢/ ٣٠١ - ٣٠٢. (١) رواه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٢٣٥، ٢٥٢، ٢٦٧، ٢٧٧، والدارميُّ في سننه ١/ ٣٧ باب في وفاة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه النسائي في السنن الكبرى ٦/ ٥٢٥ كتاب التفسير: سورة النصر. (٢) سورة المؤمنون من الآية ٢٠، وينظر ما سبق فيها ١/ ٢٧٦ من هذا الكتاب. (٣) في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر ١/ ١٧٤. (٤) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٦٩/ ب، وينظر في زيادة "كانَ": الكتاب ٢/ ١٥٣، المقتضب ٤/ ١١٦ - ١١٨، معانِي القرآن وإعرابه ٣/ ٣٢٨، إعراب القرآن للنحاس ١/ ٤٠٠، ٣/ ١٥، تهذيب اللغة ١٠/ ٣٧٧ - ٣٧٨، الصحاح للجوهري ٦/ ٢١٩٠، اللسان: كون.