قوله {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}؛ أي: صِبْيانٌ، واحدهم: وَلِيدٌ، و {مُخَلَّدُونَ} مُسَوَّرُونَ مُقَرَّطُونَ بالخِلَدةِ وهي القِرَطةُ، وجمعها: خِلَدٌ (١)، وليس في الجنة وِلَادةٌ، والمعنى: أنهَم في قِدِّ الوِلْدانِ مُخَلَّدُونَ، لا يَكْبَرُونَ ولا يَهْرَمُونَ ولا يَشِيبُونَ ولا يَتَغَيَّرُونَ، بل كُلُّهُمْ شَبابٌ مُرْدٌ (٢) {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)} شَبَّهَهُم اللَّهُ بِاللُّؤْلُؤِ إذا نُثِرَ من أصْدافِهِ فِي الكَثْرةِ والحُسْنِ والبَياضِ.
[فصل]
عن أبِي سعيد الخُدْرِيِّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ أدْنَى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلةً الَّذِي له ثَمانُونَ ألْفَ خادِمٍ وَسِتُّونَ زَوْجةً، وَتُنْصَبُ لَهُ قُبّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ ويَاقُوتٍ ما بَيْنَ الجابِيةِ إلَى صَنْعاءَ"(٣).
قوله:{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} نصب على الظرف، يعني: هناك في الجنة، والمعنى: ما ثَمَّ، والعرب تُضْمِرُ "ما"(٤)، وهو ظرف مبني غير معرب لِتَنَقُّلِهِ،
(١) قاله الفراء في معانِي القرآن ٣/ ٢١٨، وأبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص ٥٤٧، والنقاش في شفاء الصدور ورقة ١٩٤/ أ، وحكاه السجاوندي عن ابن عباس في عين المعانِي ١٤٠/ ب. (٢) هذا هو التفسير الثانِي لقوله: {مُخَلَّدُونَ}، قال الفَرّاءُ: "وهو أشبهها بالصواب، واللَّه أعلم، وذلك أن العرب إذا كَبِرَ الرَّجُلُ وَثَبَتَ سَوادُ شَعَرِهِ قيل: إنه لَمُخَلَّدٌ، وكذلك يقال إذا كَبِرَ وَنَبَتَتْ له أسْنانُهُ وَأضْراسُهُ قيل: إنه لَمُخَلَّدٌ ثابِتُ الحالِ، كذلك الوِلْدانُ ثابِتةٌ أسْنانُهُمْ". معانِي القرآن ٣/ ٢١٨، وقاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٢٤٩، وحكاه الطبري عن قتادة في جامع البيان ٢٩/ ٢٧٢ - ٢٧٣. (٣) رواه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٧٦، والترمذي في سننه ٤/ ٩٨ أبواب صفة الجنة: باب ما جاء فيما لأدنى أهل الجنة. (٤) المؤلف وافَقَ الكوفيين في أن الأصل: "ما ثَمَّ"، فلما حُذفت "ما" نُصِبَ "ثَمَّ" لوقوعه =