الجمعة، فَسَمِعُوا بها، فَتَفَرَّقُوا عنه، وخرجوا إليها، والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمٌ كما هو على المنبر، ولَمْ يَبْقَ معه في المسجد إلّا اثْنا عَشَرَ رَجُلًا وامرأةً، وقيل: لَمْ يَبْقَ معه إلا رَهْطٌ، فيهم أبو بكر وعُمَرُ - رضي اللَّه عنهما، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو اتبع آخِرُهُمْ أوَّلَهُمْ لَالْتَهَبَ عليهم الوادي نارًا"، فنَزَلَتْ هذه الآيةُ، ونصب {قَائِمًا} على الحال {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ}؛ أي: من ثواب الصلاة والثبات مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- {خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)} لأنه مُوجِدُ الأرزاق، فَإيّاهُ فاسْألُوا، ومنه فاطلبوا، إنه كريم وَهّابٌ.
فصل في ذِكر بعض ما ورد من الأخبار في فَضْلِ هذا اليومِ وسُنَتِهِ
عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْلةَ أُسْرِيَ بِي إلى السَّماءِ رأيتُ تحت العرش سبعين مدينةً، كلُّ مدينةٍ مثل دنياكم هذه سبعين مرّةً، مملوءةً من الملائكة، يسبِّحون اللَّه ويُقَدِّسُونَهُ، ويقولون في تسبيحهم: اللهم اغْفِرْ لِمَنْ شَهِدَ الجُمُعةَ، اللهم اغْفِرْ لِمَن اغتسل فِي يوم الجمعة"(١).
وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جاءَ أحَدُكُم الجمعةَ فَلْيَغْتَسِلْ"(٢)، وقال عليه السلام:
= وكان يُضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام يَنْزِلُ على صورته، شهد اليرموك، ثم نزل دمشق، وتُوُفِّيَ سنة (٤٥ هـ) تقريبًا. [تهذيب الكمال ٨/ ٤٧٣ - ٤٧٥، الإصابة ٢/ ٣٢١ - ٣٢٣، الأعلام ٢/ ٣٣٧]. (١) ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٣١٥، تفسير القرطبي ١٨/ ١١٩. (٢) رواه البخاري عن ابن عمر في صحيحه ١/ ٢١٢، ٢١٦ كتاب الجمعة: باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب "هل على مَنْ لَمْ يَشْهَد الجمعةَ غُسْلٌ من النساء والصبيان؟ " ورواه مسلم في صحيحه ٣/ ٣ كتاب الجمعة: باب وجوب غُسْلِ الجمعة على كل بالغ من الرجال.