لاستعاذتك {الْعَلِيمُ (٣٦)} بأفعالك وأحوالك، وذلك أن اللَّه تعالى أمَرَ نَبيَّهُ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستعيذ به إن صَرَفَهُ الشيطانُ عن الاحتمال.
ثم ذكر علامات توحيده ودلالات قدرته، فقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} أحَقُّ بأن تسجدوا له، ولا تسجدوا لما دونه {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)} وإنما قال: {خَلَقَهُنَّ} بالتأنيث لأنه أجراه على طريق جمع التكسير، ولَمْ يُجْرِهِ على طريق التغليب للمذكر على المؤنث؛ لأنه فيما لا يعقل (١).
فصْلٌ
عن ابن عُمرَ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مكتوبٌ فِي الإنجيل: ابنَ آدمَ: أخْلُقُكَ وأرْزُقُكَ وتَعْبُدُ غيري؟! ابنَ آدم: تدعونِي وتَفِرُّ مِنِّي؟! وتذكرنِي وتنسانِي؟! ابنَ آدم: اتَّقِ اللَّهَ، ونَمْ حَيْثُ شئتَ"(٢).
قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} يعني: جافّةً ليس فيها نباتٌ، ولَمْ يصبها مطرٌ {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ}؛ أي: تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ (٣)، يعني: رَبَتْ لِلنَّباتِ، فاهتزَّت بعد ذلك
(١) وإذا اجتمع المذكر والمؤنث فيما لا يعقل غُلِّبَ المؤنث على المذكر، بعكس اجتماعهما فيما يعقل، ينظر: معانِي القرآن للأخفش ص ٣٦٢، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٨٧، الكشف والبيان ٨/ ٣٩٧، الفريد للهمداني ٤/ ٢٣٠ - ٢٣١. (٢) ذكره ابن حجر في لسان الميزان ٦/ ١٧٦ وذكر أن في سَنَدِهِ نَوْفَلَ بنَ سليمان الهُنائِيَّ، وقال: إنه ضعيف، وينظر أيضًا: كنز العمال ١٦/ ٧٨. (٣) قاله مجاهد والكلبي، ينظر: عين المعانِي ١١٧/ ب، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٦٥.