عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ لِكُلِّ أُمّةٍ رَهْبانِيّةً، وَرَهْبانِيّةُ هَذِهِ الأُمّةِ الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"(١).
قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يعني بعيسى -عليه السلام- {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ}؛ أي: وَحِّدُوا اللَّه وصَدِّقُوا برسوله محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه رسول {يُؤْتِكُمْ} جواب الأمر {كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} يعني: أجْرَيْنِ ونَصِيبَيْنِ وضِعْفَيْنِ من رحمته، والكِفْلُ: النَّصِيبُ، يَدُلُّ عليه قولُهُ تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}(٢)؛ أي: نَصِيبٌ، والكِفْلُ أيضًا: الكِساءُ الذي يَجْعَلُهُ الرّاكِبُ إذا ارْتَدَفَ لِئَلّا يَسْقُطَ (٣)، فكأنه قال: يُحَصِّنْكُمْ هذا من عذاب اللَّه كما يُحَصِّنُ الرّاكِبَ الكِفْلُ، وهو الكِساءُ وغَيْرُهُ مِمّا يَحْبِسُهُ من السُّقُوطِ.
قال ابن جَرِيرٍ (٤): وأصله ما يَكْتَفِلُ به الرّاكِبُ من الثياب والمَتاعِ فَيَحْبسُهُ ويَحْفَظُهُ من السَّقُوطِ. ومنه الكَفالةُ؛ لأنه تَحْصِينٌ لِلْحَقِّ {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} يعني: على الصراط، كما قال تعالى:{نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}(٥)، فهذا علامةُ المؤمنين في القيامة.
(١) ينطر: مسند أبِي يعلى ٧/ ٢١٠، الكامل فِي الضعفاء ٣/ ١٩٩، ٤/ ٢٣٠، الوسيط ٤/ ٢٥٦. (٢) النساء ٨٥. (٣) من أول قوله: "والكفل: النصيب، يَدُلُّ عليه". قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٠٦/ أ. (٤) يعني محمد بن جرير الطَّبَرِيُّ، وانظر: جامع البيان ٢٧/ ٣١٣. (٥) التحريم ٨.