عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُنادِي مَلَكٌ كُلَّ ليلة: لِدُوا لِلمَوْتِ، ويُنادِي مُنادٍ: اللَّهُمَّ هَبْ لِلمُمْسِكِ تَلَفًا، ويُنادِي مُنادٍ: اللَّهُمَّ هَبْ لِلمُنْفِقِ خَلَفًا، ويُنادِي مُنادٍ: لَيْتَ هَذا الخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا، ويُنادِي مُنادٍ: لَيْتَهُمْ إذْ خُلِقُوا فَكَّرُوا فِيما خُلِقُوا لَهُ"(١).
قوله تعالى:{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني الأمم الخالية، كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ قَبْلَ كفار مكة {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} يعني: وما بَلَغَ كفارُ مكة عُشْرَ الذي أُعْطِيَتِ الأممُ الخالية من الأموال والعُدّةِ والقوة والأجسام والنعمة وطول العمر، ويجوز: مِعْشارَ شُكْرِ ما أنعمنا عليهم، قال الحسن: ما أدَّوْا من الشكر عُشْرَ ما أُنْعِمَ عليهم.
والمِعْشارُ والعُشْرُ والعَشِيرُ واحدٌ (٢)، ولَمْ يجئ في العدد إلى العشرة على "مِفْعالٍ" إلا هذا والمِرْباعُ، وهو الرُّبُعُ، ويقال: المِعْشارُ: عُشْرُ العُشْرِ، وهو جزءٌ من مائةٍ، والمعنى: وما بلغ قومك -يا محمَّدُ- معشارَ ما آتينا مَنْ قبلهم مِن الأمم، فأهلكهم اللَّه بتكذيب الرسل، وذلك قوله: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)} يعني العذاب والعقوبة، قرأ ورشٌ:"نَكِيرِي" بياءٍ في الوصل فقط، وقرأ الباقون بغير ياءٍ في الحالين (٣)، ومحل {نَكِيرِ} رفعٌ؛ لأنه
(١) ينظر: الكشف والبيان ٨/ ٩٢، الوسيط ٣/ ٤٩٧، مجمع البيان ٨/ ٢٢٢، تفسير القرطبي ٨/ ٣٧٤، الدر المنثور ١/ ٣١٣. (٢) المعشار والعُشْرُ والعَشِيرُ: الجزء من أجزاء العشرة. ينظر: التهذيب ١/ ٤٠٨، الصحاح ٢/ ٧٤٦. (٣) وقرأ يعقوب بياء فِي الوصل والوقف، ينظر: التيسير للدانِي ص ١٨٢، النشر ٢/ ٣٥١.