عن أبِي هريرة عن كعب الأحبار قال: إنّ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثةَ أثْوابٍ، اتَّزَرَ بالعِزِّ، وتَسَرْبَلَ الرَّحْمةَ، وارْتَدَى الكِبْرِياءَ، فَمَنْ تَعَزَّزَ بغير ما أعَزَّهُ اللَّهُ، فذلك الذي يُقالُ له:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، وَمَنْ رَحِمَ النّاسَ بِرَحْمةِ اللَّه، ذلك الذي تَسَرْبَلَ بسِرْبالِهِ (١) الذي ينبغي له، ومن تَكَبَّرَ فذلك الذي نازَعَ اللَّهَ رِداءَهُ، إن اللَّه يقول:"لَاَ يَنْبَغِي لِمَن ادَّعَى رِدائِي أنْ أُدْخِلَهُ الجَنّةَ"(٢).
قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا} يعني العذاب {مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥)}؛ أي: تَشُكُّونَ به في الدنيا، ولا تؤمنون به، وتزعمون أنه غير كائن، فهذا مصير الكافرين ومستقرهم ومأواهم، والمِرْيةُ: الشَّكُّ.
ثم ذكر اللَّه تعالى مُسْتَقَرَّ المؤمنين، فقال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} يعني الذين يتقون الشرك {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١)} أمِنُوا فيه الغِيَرَ من الموت والحوادث، قرأ أهل المدينة والشام بضم الميم فِي المقام على المصدر، وهو موضع الإقامة؛ أي: في إقامة، وقرأ الباقون بالفتح (٣)؛ أي: في مكان كريم، وهو موضعُ القيامِ؛ لأنك إذا جعلته من: قامَ يَقُومُ فهو مفتوح، وإذا جعلته من: أقامَ يُقِيمُ فهو مضموم؛ لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع منه
(١) في الأصل: "فذلك تسربل بغير ماله"، والتصويب والزيادة من المستدرك للحاكم. (٢) رواه الطبري في جامع البيان ٢٥/ ١٧٤، والنقاش في شفاء الصدور ورقة ٦/ ب، والحاكم فِي المستدرك ٢/ ٤٥١ كتاب التفسير: سورة "حم الدخان"، وينظر: كنز العمال ٣/ ٥٣٤. (٣) قرأ ابن عُمَرَ وزيد بن عَلِيٍّ وأبو جعفر وشيبة والأعرج والحسن وقتادة ونافع وابن عامر والأعمش: {مُقامٍ} بضم الميم، وقرأ أبو رجاء وعيسى بن عمر وابن وثاب وبقية السبعة بفتح الميم، ينظر: السبعة ص ٥٩٣، تفسير القرطبي ١٦/ ١٥٢، البحر المحيط ٨/ ٤٠، الإتحاف ٢/ ٤٦٤.