قوله:{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} يقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: أرسلنا إليكم يا معشر قريش محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- رسولنا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٨)} قال ابن عباس (١): يريد: كلكم كارهون لِما جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله:{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا}؛ أي: بل أحكموا أمرًا، وكادوا كيدًا ومعصيةً في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- والمكرِ به {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩)} مُحْكِمُونَ أمْرًا في مجازاتهم وعقوبتهم، وقيل: معناه: أم أجمعوا أمرًا، فإنا مُجْمِعُونَ لهم العذابَ، و {أَمْ} بمعنى "بَلْ"، أو استفهام إنكار، وأصل الإبرام فِي فَتْلِ الحَبْلِ، يقال: أبْرَمَهُ: إذا فَتَلَهُ وأحْكَمَهُ.
قوله:{أَمْ يَحْسَبُونَ} الميم صلة؛ أي: أيَحْسَبُونَ {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} الذي بينهم {وَنَجْوَاهُمْ} الذي اجتمعوا عليه {بَلَى} نسمع ذلك منهم ونعلمه {وَرُسُلُنَا} الملائكة الحفظة {لَدَيْهِمْ} يعني: عندهم {يَكْتُبُونَ (٨٠)} مع عِلْمِنا معهم، نزلت هذه الآية في كفار مكة لَمّا أجمعوا أمرهم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشَّرِّ، وكان ذلك منهم بمحضر إبليس -لعنه اللَّه-، تَصَوَّرَ لهم بصورة شيخ كبير، وجلس معهم مُشِيرًا بذلك.
قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}؛ أي: ما كان للرحمن ولد، و {إنْ} هاهنا نفي وجحود، كما قال اللَّه تعالى:{إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}(٢)؛ أي: ما أنت إلّا نذير، وقوله:{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}(٣)؛ أي: ما نحن إلّا بشر مثلكم (٤).
(١) ينظر قوله في الوسيط ٤/ ٨٢، زاد المسير ٧/ ٣٠٣، تفسير القرطبي ١٦/ ١١٨. (٢) فاطر ٢٣. (٣) إبراهيم ١١. (٤) هذا ما قاله أكثر العلماء، وهو أن "إن" نافية بمعنى "ما"، فيكون "العابدين" على معناه، والفاء عاطفة كالواو، ينظر: مجاز القرآن ٢/ ٢٠٦، معانِي القرآن للأخفش ص ١١١، =