ثم عَظَّمَ شَأْنَها لِغِلَظِها وَشِدَّتِها على أعداء اللَّه، فقال تعالَى:{وَمَا أَدْرَاكَ} يا محمد {مَا الْحُطَمَةُ (٥)} لولا أنَّ اللَّه تعالَى أدْراكَ وَأخْبَرَكَ عنها، فقال: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦)} يعني: على أهلها، لا تَخْمُدُ أبَدًا، وهي رفع على إضمار مبتدأ؛ أي: هي نار اللَّه الموقدة.
ثم نعتها فقال تعالَى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)} وهي القلوب، يُقال: اطَّلَعْتُ على فُلَانٍ وَطَلَعْتُ؛ أي: بَلَغْتُ (١)، وواحد الأفئدة فُؤادٌ، والمعنى: أنها تأكلهم حتى تَبْلُغَ الفُؤادَ.
وَخُصَّ الفُؤادُ لأن العذاب إذا بَلَغَ إليه مات صاحِبُهُ، فَأخْبَرَ أنه فِي حالِ مَنْ يَمُوتُ ولا يَمُوتُ، كقوله تعالَى:{لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}(٢)، فإذا بَلَغَتِ القُلُوبَ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَها، وَأُعِيدَ اللَّحْمُ والعِظامُ نحو ما كانت فِي أسْرَعَ مِنْ لَمْحِ البَصَرِ، وهو قوله تعالَى:{لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}(٣) يعني: لَحْمًا ولا عَظْمًا ولا جِلْدًا إلّا أكَلَتْهُ، حتى تُفْضِيَ إلَى النَّفْسِ، فإذا أفْضَتْ إلَى النفس لَمْ تَذَر النَّفْسَ
= ٣/ ١٧٥، والأزهري في تهذيب اللغة ٤/ ٤٠٠، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٨٢، الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٧٢٧، اللسان: حطم. (١) قال الفراء: "وقوله تعالى: "تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدةِ" يقول: يَبْلُغُ ألَمُها الأفْئِدةَ، والاطِّلَاع والبُلُوغُ قد يكونان بمعنًى واحدٍ، العرب تقول: مَتَى طَلَعْتَ أرْضَنا، وَطَلَعْتُ أرْضِي؛ أي: بَلَغْتُ". معانِي القرآن ٣/ ٢٩٠، وقاله النحاس في إعراب القرآن ٥/ ٢٨٩، وحكاه الأزهري عن الفراء في تهذيب اللغة ٢/ ١٧٢. (٢) طه ٧٤، وهذا قول ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ص ٤١٩، وقاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٦٤/ أ، وحكاه ابن الجوزي عن ابن قتيبة في زاد المسير ٩/ ٢٢٩ - ٢٣٠. (٣) المدثر ٢٨.