يعني الشمس وَحَرَّها، جعل فيها نورًا يَتَلأْلأُ، قال الزَّجّاجُ (١): الوَهّاجُ: الوَقّادُ. وهو الذي وَهَجَ، يقال: وَهَجَتِ النّارُ تَهِجُ وَهْجًا وَوَهَجًا وَوَهَجانًا، والوَهَجُ يَجْمَعُ النُّورَ والحَرارةَ.
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} يعني الرياح ذوات الأعاصير (٢)، و {مِنَ} معناه الباء، كأنه قال: بالمعصرات كقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ} (٣)، وكذلك كان عكرمة يقرؤها:"وَأنْزَلْنا بالْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا"(٤)، وذلك أن الرِّيحَ تَسْتَدِرُّ المَطَرَ، وقيل (٥): هي السحاب.
قال الفراء (٦): المُعْصِرُ: السَّحابةُ التِي تتَحَلَّبُ بالمطر، شَبَّهَ السَّحابَ التي قد حان لها أن تُمْطِرَ بِمَعاصِرِ الجَوارِي، والمُعْصِرُ: الجارِيةُ التي قد دَنَتْ من الحَيْضِ، قال أبو النَّجْمِ:
(١) قال الزجاج: "أي: جَعَلْنا فيها الشَّمْسَ سِراجًا، وتأويل "وَهّاجًا": وَقّادًا"، معاني القرآن وإعرابه ٥/ ٢٧٢. (٢) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، ينظر: تهذيب اللغة ٢/ ١٥، عين المعاني ورقة ١٤١/ ب، اللسان: عصر. (٣) القَدْرِ ٤ - ٥، وكون، "مِنْ" بمعنى الباء إنما هو على أن المراد بالمعصرات الرياح ذوات الأعاصير كما سبق، وينظر: المحكم والمحيط الأعظم ١/ ٢٦٦. (٤) هذه قراءة ابن عباس وابن الزبير وعكرمة والفضل بن عباس وعبد اللَّه بن يزيد وقتادة، ينظر: المحتسب ٢/ ٣٤٧، ٣٤٨، تفسير القرطبي ١٩/ ١٧٤، البحر المحيط ٨/ ٤٠٤. (٥) قاله الخليل فِي العين ١/ ٢٩٥، والجوهري في الصحاح ٢/ ٧٥٠، وقال الأزهري: "وَرُوِي عن أبِي العالية أنه قال فِي قوله: {مِنَ المُعْصِرَاتِ}: إنها السحاب. قلتُ: وهذا أشْبَهُ بما أراد اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ؛ لأن الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر، وقد ذَكرَ اللَّهُ أنه يُنْزِلُ منها ماءً ثَجّاجًا"، تهذيب اللغة ٢/ ١٥. (٦) هذا القول لَمْ أقف عليه في كتب الفراء، وإنما حكاه ابن قتيبة عنه فِي غريب الحديث ٢/ ١٠٨، وينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص ٥٠٨، تهذيب اللغة ٢/ ١٦، ١٧، الوسيط ٤/ ٤١٣.