اللَّه تعالى:{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم ومصيرهم.
ثم ذكر صنعه وقدرته؛ ليتفكروا بعظمته وقوة سلطانه، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦)} يعني فِراشًا، بَسَطْناها لهم مَسِيرةَ خَمْسِمِائةِ عامٍ {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)} يعني: لِلأرْضِ لكي لا تتحرك بأهلها، رَوَى عَطاءٌ عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه قال: لَمّا أراد اللَّه أن يَخْلُقَ الخَلْقَ مَدَّ الأرْضَ حَتَّى بَلَغَتْ ما شاء اللَّهُ من الطُّولِ والعَرْضِ، وكانت هكذا تَمِيدُ -وَأرانِي ابنُ عَبّاسٍ هكذا وهكذا-، قال: فَجَعَلَ اللَّهُ الجِبالَ أوْتادًا، وكان أبو قُبَيْسٍ أوَّلَ جَبَلٍ وُضِعَ فِي الأرض (١).
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨)} يعني أصنافا ذُكُورًا وَإناثًا، وَقِصارًا وَطِوالًا، وهو منصوب على الحال (٢)، وإن شئت قلت: مفعولٌ ثانٍ (٣) {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩)} يعني: قَطْعًا لأعمالكم، وَراحةً لأبدانكم، تستريحون بنومكم في لَيْلِكُمْ، تقول العرب: رَجُلٌ مَسْبُوتٌ: إذا كان النَّوْمُ يُغالِبُهُ، والسُّباتُ: أن يَنْقَطِعَ عن الحَرَكةِ والرُّوحُ فِي بَدَنِهِ (٤)، وأصل السَّبْتِ القَطْعُ، فكأنه إذا نامَ انقطع عن الناس (٥).
(١) رواه الحاكم في المستدرك ٢/ ٥١٢ كتاب التفسير: سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، وينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ٤١٢، الدر المنثور ٦/ ٣٠٦. (٢) قاله النَّحّاسُ في إعراب القرآن ٥/ ١٢٦، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٥٠، التبيان للعكبري ص ١٢٦٦. (٣) لا وجه لكونه مفعولًا ثانيًا؛ لأن {خَلَقَ} لا يتعدى إلَّا إلَى مفعول واحد، ينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٥٠. (٤) قاله الزجاج والنقاش، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢٧٢، شفاء الصدور ٢٠٠/ ب. (٥) قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص ٥٥١، وحكاه الأزهري عن ابن الأعرابِيِّ في تهذيب اللغة ١٢/ ٣٨٦.