ثم أمَرَ اللَّهُ تعالى نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإعراض عنهم بقوله:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}؛ أي: فَأعْرِضْ يا محمد عن كفار مكة مما تسمع منهم من الأذى، وهاهنا وقف تام (١)، والخبر محذوف، أي: تَرَى ما تَرَى {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} وهو إسرافيل عليه السّلام حين يَنْفُخُ النَّفْخةَ الثانيةَ، وهو قائمٌ على صخرة بيت المقدس {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦)}؛ أي: عظيم فظيع، لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، فينكرونه استعظامًا له، قال الخليل (٢): النُّكُرُ: نعت للأمر الشديد، والنُّكُرُ: الداهية.
قرأ وَرْشٌ وأبو عمرو:"الدّاعِي"(٣) بياء فِي الوصل فقط، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين، وقرأ ابن كثير:"إلى شَيْءٍ نُكْرٍ"(٤) ساكنةَ الكاف، الباقون بالتحريك (٥).
(١) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٨٦، ولكن ابن الأنباري جعله وقفًا غير تامٍّ. إيضاح الوقف والابتداء ص ٩١٣، وينظر: المكتفى فِي الوقف والابتدا ص ٣٤٠. (٢) العين للخليل ٥/ ٣٥٥. (٣) قرأ ابن جَمّازٍ وإسماعيلُ بن جعفر، ووَرْشٌ عن نافع، وأبو عمرو وأبو جعفر: "الدّاعِي" بياء في الوصل فقط، وقرأ البَزِّيُّ ويعقوب وابن محيصن وحُمَيْدٌ بياءٍ في الوصل والوقف، وقرأ الباقون بغير ياء في الحالين، ينظر: السبعة ص ٦١٧، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٢٩٨، النشر ٢/ ٣٨٠، الإتحاف ٢/ ٥٠٥، ٥٠٦. (٤) وهي قراءة الحسن وشبل أيضًا، ينظر: السبعة ص ٦١٧، تفسير القرطبي ١٧/ ١٢٩، البحر المحيط ٨/ ١٧٣. (٥) ذكر سيبويه هذا اللفظ في باب التصريف، فقال: "ويكون فُعُلًا فيهما، فالاسم: الطُّنُبُ والعُنُقُ والعُضُدُ والجُمُدُ، والصفة: الجُنُبُ والأُجد ونضد ونكر، قال سبحانه: {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ}. الكتاب ٤/ ٢٤٣ - ٢٤٤. وذكر الفارسي قول سيبويه، ثم قال: "فقولُ مَنْ قال: "نكر" إنما هو على التخفيف مثل: رُسْلٍ وكتِبٍ وسَبْعٍ، والضمة في تقدير الثبات". الحجة ٤/ ١١، وقال الأزهري: "هما لغتان: نكر ونكر، والتثقيل أجود الوجهين لتتفق الفواصل بحركتين". معانِي القراءات ٣/ ٤٢، وينظر: الصحاح ٢/ ٨٣٧.