واسْتَحْكَمَ، واسْتَمَرَّ فلانٌ على أمْرِ كَذا: إذا اسْتَحْكَمَ فِي معرفته ومُمارَسَتِهِ (١).
قوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} يعني أهل مكة {مِنَ الْأَنْبَاءِ} يعني: من أخبار الأمم الماضية {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}؛ أي: نَهْيٌ وعِظةٌ، وهو مصدر بمعنى الازْدِجارِ، يقال: زَجَرْتُهُ وازْدَجَرْتُهُ: إذا نَهَيْتَهُ عن السوء، وهو "مُفْتَعَلٌ" من الزَّجْرِ، وهو الانْتِهارُ، وأصله: مُزْتَجَرٌ، فَقُلِبَت التاءُ دالًا؛ لأن التاء مهموسة والزاي مجهورة، فثَقُلَ الجمع بينهما، فأبدل من التاء ما هو من مخرجها وهو الدال (٢).
وقوله:{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} يعني القرآن، أي: هو حكمة بالغة تامّةٌ لمن أخذ بما فيه، وآمن بما فيه، واتبع ما أمر فيه، ووصفها بقوله:"بالِغةٌ"؛ لأن هذه الصفة لكل ما بَلَغَ فِي نهاية الغاية، كما يُقالُ: فُلَانٌ جَيِّدٌ بالِغٌ، أي: قد بَلَغَ في الجَوْدةِ الغايةَ (٣).
وقوله: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥)}؛ أي: لا تُغْنِي عَمَّنْ لا يُؤْمِنُ بها، ويَتَّبِعُ ما أُمِرَ فيها، و"ما" هاهنا يجوز أن تكون نفيًا على معنى: فليست تغني النُّذُرُ، وهو نَذِيرٌ، ويجوز أن تكون استفهامًا، المعنى: بِأيِّ شَيءٍ تُغْنِي النُّذُرُ إذا لَمْ يُؤْمِنُوا بها؟ (٤)، نظيرها في سورة يونس، وهو قوله تعالى:{وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}(٥).
(١) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٧٧/ أ، وينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ٢٠٧. (٢) ينظر: الكتاب ٤/ ٤٦٧ وما بعدها، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٨٥، إعراب القرآن ٤/ ٢٨٦. (٣) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٧٧/ ب. (٤) هذان الوجهان في "ما" قالهما الفراء في معانِي القرآن ٣/ ١٠٥، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٨٥، إعراب القرآن ٤/ ٢٨٦، الوسيط ٤/ ٢٠٨، تفسير القرطبي ١٧/ ١٢٩. (٥) يونس من الآية ١٠١.