مردود على قوله:«مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» . أَوْ كَصَيِّبٍ:
أو كمثل صيِّب، فاستُغني بذكر «الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» فطُرِح ما كان ينبغي أن يكون مع الصيب من الأسماء، ودل عليه المعنى لأن المثل ضرب للنفاق، فقال:
فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فشبه الظلمات «١» بكفرهم، والبرق «٢» إذا أضاء لهم فمشوا فيه بإيمانهم، والرعد ما أتى في القرآن من التخويف. وقد قيل فيه وجه آخر قيل: إن الرعد إنما ذُكِر مَثَلا لخوفهم من القتال إذا دُعُوا إليه. ألا ترى أنه قد قال في موضع آخر:«يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ»«٣» أي يظنون أنهم أبدًا مغلوبون.
ثم قال: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ فنصب «حَذَرَ» على غير وقوعٍ من الفعل عليه لم ترد يجعلونها حذرا، إنما هو كقولك: أعطيتك خَوْفًا وفَرَقًا. فأنت لا تعطيه الخوف، وإنما تعطيه من أجل الخوف فنصبه على التفسير ليس بالفعل، كقوله جل وعز:«يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً»«٤» . وكقوله:«ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً»«٥» والمعرفة والنكرة تفسِّران في هذا الموضع، وليس نصبه على طرح «مِنَ» . وهو «٦» مما قد يستدل به المبتدئ للتعليم.
(١، ٢) الأولى عكس التشبيه، فالكفر مشبه بالظلمات، والإيمان مشبه بالبرق. (٣) آية ٤ سورة المنافقون. (٤) آية ٩٠ سورة الأنبياء. (٥) آية ٥٥ سورة الأعراف. (٦) يريد أنه قد يقرب المفعول لأجله للمبتدىء بما يصلح فيه تقدير من.