قَالَ: أيُّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يُعرف: أن المبتغي للخير مُتّق للشر وكذلك قَوْل الله جل ذكره: (سَرابِيلَ «١» تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)[أي] وتقي البرد. وهو كذلك وإن لَمْ يُذكر.
هم رءوس الْكَفَرة الَّذِينَ يُضلون. وقوله:(مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسَّره بعض المفسرين: يضاعف لَهُم العذاب بِما كانوا يستطيعون السمع «٢» ولا يفعلون. فالباء حينئذ كَانَ ينبغي لَهَا أن تدخل، لأنه قَالَ:(وَلَهُمْ «٣» عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فِي غير موضع من التنزيل أدخلت فِيهِ الباء، وسقوطها جائز كقولك «٤» فِي الكلام: بأحسن ما كانوا يعملونَ وأحسنَ ما كانوا يعملون. وتقول فِي الكلام: لأجزيَّنك بِما عملت، وما عملت. ويُقال: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كانوا يبصرون: أي أضلَّهُم الله عَن ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ.
وقوله:(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ)[٢٢] كلمة كانت فِي الأصل بِمنزلة لا بُدَّ أنَّك قائمٌ ولا محالة أنَّك ذاهب، فجرت على ذَلِكَ، وكثر استعمالهم إيَّاها، حَتَّى صَارت بِمنزلة حقًّا ألا ترى أن العرب تَقُولُ:
لا جَرَمَ لآتينك، لا جرمَ قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسرونَ بِمعنى الحقِّ. وأصلها من جرمت
(١) الآية ٨١ سورة النحل. (٢) سقط في ا. (٣) الآية ١٠ سورة البقرة. (٤) الأولى: كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية ٩٦ سورة النحل، والثاني فى الآية ٧ سورة العنكبوت.