فإذا نويت الانقطاع نصبت، وإذا نويت الاتصال رفعت. ومثله قوله:
«فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ»«١» فهذا على هذا «٢» المعنى، ومثله:«فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ»«٣» ثُمَّ قال: «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ» فأول الكلام- وإن كان استفهاما- جحد لأن لولا بمنزلة هلا ألا ترى أنك إذا قلت للرجل:(هلا قمت) أن معناه:
لم تقم. ولو كان ما بعد (إلا) فِي هاتين الايتين رفعا على نية الوصل لكان صوابا مثل قوله: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا»«٤» فهذا نية وصل لأنه غير جائز أن يوقف على ما قبل (إلا) .
وإذا لم تر قبل (إلا) اسما فأعمل ما قبلها فيما بعدها. فتقول:(ما قام إلا زَيْدُ) رفعت (زيدا) لإعمالك (قام) إذ لم تجد (قام) اسما بعدها. وكذلك: ما ضربت إلا أخاك، وما مررت إلا بأخيك.
وإذا كان الَّذِي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد إلا ما قبلها كقولك: ما عندي أَحد إلا أخوك. فإن قدمت إلا نصبت الَّذِي كنت ترفعه فقلت: ما أتاني إلا أخاك أحد. وذلك أن (إلا) كانت مسوقة على ما قبلها فاتبعه، فلما قدمت فمنع أن يتبع شيئًا هُوَ بعدها فاختاروا الاستثناء. ومثله قول الشاعر:
لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل «٥»
(١) آية ٩٨ سورة يونس. [.....] (٢) يريد أن (لولا) فيه للتحضيض والتوبيخ. وفيهما معنى النفي لما يطلب بها. (٣) آية ١١٦ سورة هود. (٤) آية ٢٢ سورة الأنبياء. (٥) ينسب إلى كثير عزة. والخلل واحدها الخلة- بكسر الخاء وشدّ اللام- وهى بطانة كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب. وانظر العيني على هامش الخزانة ٣/ ١٦٣، ويروى بدل البيت فى بعض الكتب. لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم وهو بهذه الصورة ينسب إلى ذى الرمة. وانظر الخزانة ١/ ٥٣١.