أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (١)، والكسر فِي "إنْ" على أنه جزاءٌ اسْتَغْنَى عن جوابه بما تقدمه، كما تقول: أنْتَ ظالِمٌ إنْ فَعَلْتَ، كذا قاله الواحدي (٢)، وقرأ الآخرون بالفتح (٣) على معنى: لأنْ كنتم، أراد معنى المُضِيِّ، قال الفراء (٤): ومثله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ}(٥) تُقْرَأُ بالفتح والكسر (٦)، وقد تقدم ذكره في سورة المائدة.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}؛ يعني: سألت قومك يا محمد {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أقَروا
(١) النور ٣٣. وإنما تكون "أنْ" بمعنى "إذْ" على مذهب الكوفيين إذا كانت "أنْ" بفتح الهمزة، وأما على قراءة {إِنْ كُنْتُمْ} فـ {إنْ} شرطية باتفاق البصريين والكوفيين. فهذا خلط من المؤلف، تَبِعَ فيه الواحِدِيَّ فيما قاله في الوسيط ٤/ ٦٤. قال الفراء: "قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ} قرأ الأعمش: {أَنْ كُنْتُمْ} بالكسر، وقرأ عاصم والحسن: {أَنْ كُنْتُمْ} بفتح {أنْ}، كأنهم أرادوا شيئا ماضيا، وأنت تقول في الكلام: أأسُبُّكَ أنْ حَرَمْتَنِي؟ تريد: إذْ حَرَمْتَنِي، وتكسر إذا أردت: أأسُبُّكَ إنْ حَرَمْتَنِي، ومثله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ}، تكسر "إنْ" وتفتح". معانِي القرآن ٣/ ٢٧. وما قاله الفراء تُؤَيِّدُهُ قراءةُ ابنِ مسعودٍ وزيدِ بنِ عَلِيٍّ: {إذْ كُنْتُمْ}. انظر: شواذ القراءة ورقة ٢١٦، المحرر الوجيز ٥/ ٤٦، وأما البصريون فإن {أنْ} عندهم في تأويل مصدر، أي: لكونكم قومًا مجرمين، ينظر: معانِي القرآن للأخفش ص ٤٧٢، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٠٥، معانِي القرآن للنحاس ٦/ ٣٣٦، الحجة للفارسي ٣/ ٣٦٩، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٢٨١، إعراب القراءات السبع ٢/ ٢٩٢، البحر المحيط ٨/ ٨، الدر المصون ٦/ ٩٢. (٢) الوسيط ٤/ ٦٤. (٣) ينظر: السبعة ص ٥٨٤، الإتحاف ٢/ ٤٥٣. (٤) معانِي القرآن ٣/ ٢٧. (٥) المائدة ٢، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب. (٦) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بفتحها، ينظر: السبعة ص ٢٤٢، النشر ٢/ ٢٥٤.